لا يقال: تكفير الصغائر باجتناب الكبائر لا يوجب عدم صدورها مبغوضة و معصية للمولى، بل يرفع عقوبتها التي كانت تقتضيها، و العدالة تضرّها نفس المعصية لا أثرها و هي العقوبة.
لأنّا نقول: الظاهر أنّ الضائر بالعدالة المعصية بما لها من البعد الحاصل بها عن المولى، و إلّا فلو كان بلحاظ نفس صدورها فالشيء لا ينقلب عما وقع عليه، فلا يعود الارتكاب اجتنابا و لا ينفعه الندم و لا يجديه العزم على العدم، فكيف تعود العدالة بالتوبة مع أنّ الملكة على حالها قبل المعصية و بعدها و الكبيرة وقعت و العدالة ارتفعت، فلا الملكة زالت لتعود و لا العدم ينقلب هنا إلى الوجود، بخلاف ما إذا كان زوال العدالة بالمعصية بلحاظ البعد الحاصل بها عن المولى، فانّ التوبة عن الكبيرة توجب القرب بعد البعد، و اجتناب الكبائر يمنع عن فعلية البعد الّذي يقتضيه فعل الصغائر، إلّا أن يقال: انّ المعصية مطلقا انحراف عن جادة الشرع، و تختلف الكبيرة و الصغيرة بزيادة الانحراف و قلّته، فلو لم يرجع إلى الجادّة في الأولى بالتوبة لم يصل إلى المقصد، بخلاف الثانية، فان الانحراف فيها يسير لا يمنع من الوصول، و عدم الانحراف الكلي يوجب غمض العين عن الانحراف الجزئي، و عدم المؤاخذة عليه لطفا من المولى بعدم المداقّة مع العبد فإذا أنيط شيء بالاستقامة المطلقة على الجادة يضرّها الانحراف يسيره و كثيره، و يكون للتوبة الموجبة للاستقامة المطلقة مجال أيضا و إن كان لا يؤاخذ عليه، و التوبة بلحاظ فعل ما لا يرضى به المولى بل يسخطه، و إن لم يرتّب عليه أثر السخط و هي العقوبة.
الثالثة: فيما تمتاز به الكبيرة عن الصغيرة شرعا.
و ظاهر جملة من الأخبار [1] أنّ الكبيرة ما أوعد اللّه تعالى عليه النار، بل
[1] الوسائل: ج 11، باب 45 و 46 من أبواب جهاد النّفس و ما يناسبه فراجع.