و ممّا ذكرنا ظهر حال العلم الّذي هو من الصفات الذاتيّة، و هو عبارة عن حضور الذات للذات، و هذا معنى قولهم (عليهم السَّلام): عالم إذ لا معلوم [1]، إذ ليس المعلوم بالذات، إلا نفس الذات، و كذا تبيّن حال العلم بعد الإيجاد فانّه عبارة عن نفس ارتباط المجعول بالذات الّذي هو أتمّ أنحاء حضور شيء لشيء، و إلا فلا تغيّر و لا انتقال و لا سنوح حالة في ذاته الأقدس تعالى و تقدّس.
و أمّا الإرادة:
فمعناها العام هي المحبة و الرضا و الابتهاج، و حيث إنّ الواجب تعالى صرف الوجود فهو صرف الخير، إذ الوجود كله خير بالذات، و إلا لزم صحة ما ذهبت إليه الثنوية من لزوم مبدءين: فاعل الخيرات و فاعل الشرور، بملاحظة أنّ الخير المحض لا يصدر منه الشر، فإذا كان الواجب صرف الخير، و الخير هو الملائم و الموجب للابتهاج و يكون لذيذاً و محبوباً، فهو تعالى مبتهج بذاته أتمّ ابتهاج، و حيث إنّ كل ما كان مبدأ لانتزاع وصف اشتقاقي بذاته، فهو منشأ لانتزاع مبدأ الوصف، فهو مبتهج و مبتهج و ابتهاج، و راض و مرضي به و رضا، كما أنّه عالم و معلوم و علم، و هكذا، و في هذه المرتبة لا مراد إلا ذاته، و حيث إنّ ذاته تعالى صرف الوجود، فهو كل الوجود، فكل وجود مراد في مرتبة ذاته بمرادية ذاته لا بمرادية أخرى.
نعم ينبعث من هذه الإرادة الذاتيّة إرادة في مرتبة الفعل الإطلاقي بواسطة أنّ من أحبّ شيئا أحبّ آثاره، و ليس لفعله الإطلاقي على ما قرر في محلّه إلا حيثية الفقر و الارتباط و الظلّيّة و الحكاية، فليس بما هو هو شيئا بالاستقلال، فكما أنّه