و بعد التمهيد المزبور نقول: الوضع، كما أفاد شيخنا الأستاذ (قدّه)[1]- على أقسام ثلاثة: (الأوّل)- السببيّة أو الشرطيّة للتكليف. و (الثاني)- الجزئيّة و الشرطيّة للمكلّف به. و (الثالث)- الوضعيات العرفيّة و الشرعيّة من الملكية و الحجيّة و أشباههما. فالأوّل مما لا يقبل الجعل استقلالًا و لا تبعاً، و الثاني مما يقبل الجعل تبعاً فقط، و الثالث مما يقبل الجعل استقلالًا و تبعاً. و نحن نقفو اثره (قدّس اللَّه سره) في التقسيم.
فنقول: أمّا القسم الأوّل فقد برهن- على عدم قبوله للجعل التبعي الانتزاعي- بأنه لا يعقل انتزاع هذه المعاني من التكليف المتأخّر عنها ذاتاً.
و تقريبه أن فرض- مسبّبية التكليف أو مشروطيته عن الدلوك- فرض تأخّره عنه بالذات، و فرض- منشئية التكليف لانتزاع السببيّة للدلوك- فرض تقدمه بالذات، لتبعية الأمر الانتزاعي لمنشئه، فيلزم تقدم المتأخّر بالذات و تأخّر المتقدم بالذات.
و قد برهن (قدّه)- على عدم قبول الجعل الاستقلالي- بأن الشيء إذا كان ذا ربط به يؤثر في شيء، فهو علّة قبل جعله علة، و إن لم يكن فيه ذاك الربط فلا يصلح للعليّة، فلا معنى لجعل ما ليس بعلة علّة [2].
قلت: أمّا البرهان الأوّل فلا يصلح للمنع، لأن التقدم و التأخّر يلاحظان بالإضافة إلى ذات العلة و المعلول، فلا منافاة بين تأخّر التكليف بذاته عن ذات الدلوك، و تقدمه بذاته على وصف يعرض الدلوك، و هو عنوان السببيّة المتأخّر عن الدلوك تأخّر كل وصف عن موصوفه و عارض عن معروضه. و سيجيء ان شاء اللَّه تعالى قريباً أن التأخّر في أية مرحلة و التقدم في أية مرحلة.
و أمّا البرهان الثاني فتوضيح الجواب عنه يتوقف على مقدّمة، و هي ان