كون الوجه في اعتبار استصحاب البراءة هو الظّن من حيث إناطة التّرجيح
بالظّن و عدم التّرجيح بالأمور المتقدّمة لكن الاستصحابمنوط عندهم بالظّن و
إن كان مبنيّا على التّعبد عندنا نعم أصل البراءة ليس منوطا بالظّن على ما
يقتضيه التّحقيق عندنا لكنالكلام في استصحاب البراءة و أمّا ما أفاده
ثانيا فلا يخلو عن مناقشة أيضا لأنّ ظاهره اعتبار بيّنة النّفي مطلقا في
نفسها و إن كانتبيّنة الإثبات أقوى منها و كون تقديم إحداهما على الآخر
فيما يرجع بيّنة النّفي إلى نوع من الإثبات مبنيّا على كون مدارالتّرجيح
على مطلق الظّن و كلاهما محلّ مناقشة لأنّ القول باعتبار بيّنة النّفي
مطلقا كما ترى لا يرجع إلى محصّل كما أنّ القول بكونهافي مرتبة بيّنة
الإثبات فيما كان لها جهة إثبات فيه أيضا ما لا يخفى في تعارض بيّنة النّفي مع بيّنة الإثبات
فالتّحقيق في الجواب أن يقال إنّ هذا الدّليل مبنيّ علىمقدّمتين الأولى
صلاحيّة معارضة بيّنة النّفي لبيّنة الإثبات و هي مبنيّة على مقدّمتين
إحداهما حجيّة بيّنة النّفي فينفسها ثانيتهما كونها في مرتبة بيّنة
الإثبات الثّانية ثبوت التّرجيح في تعارض البيّنات بمطلق الظّن كما في
تعارض الأخبارحسب ما هو قضيّة ظاهر كلمتهم و شيء منهما غير ثابت عندنا بل
الثّابت عندنا بل و عند المحقّقين خلافهما أمّا الأولى فلأنّ بيّنةالنّفي
لا يخلو إمّا أن تكون لها جهة إثبات أو لا و بعبارة أخرى إمّا أن ترجع إلى
نوع من الإثبات أو لا فإن لم ترجع إليه كما لوأقام أحد المترافعين بيّنة
على اشتغال ذمّة صاحبه بعشرة دينار مثلا و أقام الآخر بيّنة على عدم اشتغال
ذمّته بالمبلغ المذكورو براءة ذمّته عنه فلا إشكال في عدم اعتبارها حتّى
فيما لم يكن هناك بيّنة على خلافها لأنّ البيّنة الّتي تشهد على البراءة
الأصليّةلا يخلو إمّا أن يستند في شهادتها إلى القطع أو أصالة البراءة فإن
استندت إلى القطع فلا إشكال في عدم اعتبارها لأنّه نظيرقطع القطّاع و خبر
الفاسق في كثرة مخالفته بالنّسبة إلى الواقع الموجبة لعدم جواز تصديقها في
أخبارها المستندة إليه ضرورةأنّ أسباب الاشتغال غير محصورة لا يمكن العلم
بنفيها عادة فالمدّعي للقطع بعدمها لا بدّ من أن يستند فيه إلى حدس غير
موجبللعلم لمتعارف النّاس فالتّعليل في آية النّبإ يدلّ على عدم اعتبار
مثل هذه البيّنة هذا مضافا إلى قيام الإجماع ظاهرا علىعدم سماع الشّهادة
على النّفي محضا و إن استندت إلى الأصل فلا إشكال في عدم اعتبارها لعدم
مزيّة لهذه البيّنة على غيرهالأنّ جميع النّاس و الحاكم يشهدون ببراءة ذمّة
المنكر من جهة الأصل هذا مضافا إلى أنّه لو كان معتبرا لم يكن لها مزيّة
على الأصلو بيّنة الإثبات واردة على الأصل أو حاكمة عليه كما لا يخفى و إن
رجعت إلى نوع من الإثبات فإن قلنا بمقالة المشهور من عدم اعتبارالبيّنة من
الدّاخل أصلا فلا إشكال أيضا فيصير كالأولى و إن قلنا بما هو الحقّ
المحقّق عندنا من اعتبارها في نفسها بمعنى إغنائهاعن اليمين مع عدم
مقاومتها لبيّنة الخارج لكونها كالأصل بالنّسبة إليها و هي كالدّليل
بالنّسبة إليها فلا إشكال أيضا و إن قلنابمقالة بعض القدماء من تقديم بيّنة
الدّاخل على بيّنة الخارج فنلتزم على هذا بصحّة التّالي و نمنع بطلانه
فافهم و أمّا الثانيةفلأنّ من المحقّق في محلّه عدم كون التّرجيح في
البيّنات كالتّرجيح في الأخبار منوطا بمطلق الظّن بل القدر الثّابت هو
التّرجيح بالأكثريةو الأعدليّة لا غيرهما و على تقدير الالتزام بالتّرجيح
بمطلق الظّن في البيّنات نلتزم أيضا بصحّة التّالي و نمنع بطلانه هذا على
تقديرالقول باعتبار الاستصحاب من باب الظّن كما هو المعروف بين الخاصّة و
العامّة و أمّا على القول باعتباره من باب التّعبد فنمنع الملازمةو إن قلنا
بالتّرجيح بمطلق الظّن في البيّنات على ما عرفت الإشارة إليه و لكن مبنى
الاستدلال على الوجه الأوّل كما هو ظاهر قوله
قدس سرهإلاّ أن يرجع إلى نوع إلخ(1) أقول
لا يخفى عليك ما في هذا الكلام بعد التّأمّل فيما تلونا عليك لأنّك قد
عرفت أنّ بيّنة النّفي لا يكافئبيّنة الإثبات مطلقا و إن رجعت إلى نوع من
الإثبات و هذا أمر ظاهر قد حقّقناه في الفقه في كتاب القضاء بل بناء
المشهور و الأستاذالعلاّمة عليه أيضا فلعلّ هذا الكلام منه مبنيّ على الغمض
عن هذا المطلب و اللّه العالم بقي الكلام في حجج المفصلين
قوله
و أمّا التّفصيل بين العدمي و الوجوديإلخ(2) أقول
سياق العبارة يقتضي بيان الحجّة للتفصيل المذكور و هي لا تفي بذلك إلاّ
بتكلّف و هو أنّ ملاحظة حجج النّافين مطلقايقتضي التّفصيل المذكور بعد
اختصاص الخلاف من المخالف بالعدمي و لو لم يكن إلاّ الأصل لكفى في ذلك
فتأمّل و لو استدلّعلى التّفصيل المذكور ببناء العقلاء كما قد يظهر من بعض
لنوقش فيه بمنع بنائهم على الفرق فتدبّر في أنّ ما استظهر التّفتازاني من كلام العضدي محلّ تامّل
قوله
و ما استظهره التّفتازانيإلخ(3) أقول
وجه التّأمّل في الظّهور على ما صرّح به دام ظلّه في مجلس البحث هو أنّ
العضدي حسب ما يفصح عنه عبارته جعل النّزاع بينالنّافي و المثبت في اعتبار
الاستصحاب صغرويّا بمعنى إفادته للنّص بالبقاء و عدمها و مع ذلك كيف يعقل
تخصيص خلاف الحنفيّةبالإثبات فإنّ دعوى حصول الظّن من الاستصحاب العدمي دون
الوجودي كما ترى هذا مضافا إلى ما أفاده من التّأمّل في إمكان