و إن توقف وجوده الخارجي على سبق الأمر و هو كما ترى لا محصّل له عند
التأمّل و هنا بعض وجوه أخر في كمال الضعف و السقوط مثل أنالامتناع إنما
هو إذا كان الدليل على اعتبار القصد نفس الأمر لا الدليل الخارجي من إجماع و
غيره فإنه كما ترى حيث إنّ برهان الامتناع كيفيعقل الفرق فيه بين اختلاف
الدليل من حيث الداخل و الخارج مع كون الخارج كاشفا عن المراد و مبيّنا
للمأمور به إلى غير ذلك ممّا يتلو الوجهالمذكور في ظهور الضعف هذه غاية ما
يقال في دفع الإشكال المذكور في المقام لكنه كما ترى لا يقتضي تجريد عنوان
الاحتياط عن حقيقتهو رفع اليد عنه و حمله على إرادة مجرّد الإتيان بالفعل
و لو لم يكن بداعي احتمال المطلوبيّة كما هو ظاهر ما أفاده شيخنا قدس سره
في الكتاب مع توقفه علىتمحّل ذلك في خصوص العبادات المحتملة إذ مبنى الوجه
المزبور على ما عرفت على حمل الأمر المتعلّق بالاحتياط على الأمر الشرعي
المولوي معتجريد الاحتياط عن قصد التقرّب بامتثال الأمر المتعلّق به و هذا
لا يقتضي تجريده عن الإتيان بالفعل حذرا عن مخالفة الواقع المحتمل الذي
يتقوّمبه حقيقة الاحتياط و أمّا ما استشهد به لذلك من استقرار سيرة أهل
الفتوى على الفتوى باستحباب الفعل إلى آخر ما أفاده قدس سره فقد يناقشفيه
بأن الإفتاء بالاستحباب على الوجه المذكور في الشبهة الحكميّة من جهة ورود
خبر ضعيف في المسألة أو فتوى فقيه فيها ليس من جهة أخبار الاحتياطحتى
يتوقّف على تجريده عن عنوانه على تقدير تعقّله و تسليمه و إنما هو من جهة
ما دلّ على التسامح في السنن عندهم من الأخبار الواردة في هذا البابفإنّ
دلالتها على ما زعموا و إن لم يخل عن إشكال سيّما عند شيخنا قدس سره على ما
ستقف عليه عن قريب إلاّ أنهم لم يلتفتوا إلى هذا الإشكال أو لم يعتنوا
بهمن جهة ضعفه و وهنه عندهم و اعتقدوا الدلالة على ما ذهبوا إليه كما يظهر
من عنوان المسألة في الكتاب عن قريب و من هنا لم يفت أحد منهم
باستحبابالفعل مجرّدا عن عنوان الاحتياط في الشّبهة الموضوعيّة بل قيّدوه
بعنوان الاحتياط فيعلم من ذلك أن قولهم بذلك و مصيرهم إليه في الشبهة
الحكمية منالجهة المذكورة لا من جهة ما ذكره قدس سقر و إلا لم يكن معنى
للفرق بين الشبهتين كما هو ظاهر فافهم في الأخبار المستدل بها على التسامح في السّنن
قوله
قدس سره ثم إن منشأ احتمال الوجوب إذا كان خبراضعيفا لا حاجة إلى أخبار الاحتياط إلى آخره(1) أقول
تحقيق المقام و توضيحه على وجه يرفع به غواشي الأوهام يحتاج إلى بسط في
الكلام فلا بد أوّلا مننقل تمام ما وصل إلينا من الأخبار التي استدلوا بها
على مسألة التسامح في السنن ثم التكلم ثانيا فيما يستفاد منها و الجهات
التي وقع البحثعنها في كلماتهم منها
ما رواه في المحاسن في الصحيح عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه
السلام قال من بلغه عن النبيّ صلى اللَّه عليه و آله شيء من الثواب فعمله
كانأجر ذلك له و إن كان رسول الله صلى اللَّه عليه و آله لم يقله و عن
البحار بعد ذكره أن الخبر من المشهورات رواه العامة و الخاصّة بأسانيده و منها
ما في الوسائلنقلا عن المحاسن أيضا بسنده عن محمد بن مروان عن أبي عبد
اللّه عليه السلام قال من بلغه من النبي صلى اللَّه عليه و آله شيء من
الثواب ففعل ذلك طلب قول النبيّ صلى اللَّه عليه و آله كانله ذلك الثواب و
إن كان النبي لم يقله و منها
في الوسائل أيضا نقلا عن عدّة الداعي لابن فهد الحلي قال روى الصدوق عن
محمّد بن يعقوب بطرقهعن الأئمّة عليهم السلام من بلغه شيء من الخير فعمل
به كان له من الثواب ما بلغه و إن لم يكن الأمر كما نقل إليه و منها
ما في الوسائل أيضا عن كتاب الإقبال لعليّبن موسى بن جعفر بن طاوس عن
الصادق عليه السلام قال عليه السلام من بلغه شيء من الخير فعمل به كان له
ذلك و إن لم يكن الأمر كما بلغه و منها
ما في الوسائل أيضا عنكتاب ثواب الأعمال لمحمّد بن علي بن بابويه بسنده
عن عنوان البصري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال من بلغه شيء من الثواب
على شيء من الخير فعمل به كان له أجر ذلك و إن كانرسول الله صلى اللَّه
عليه و آله لم يقله و منها
ما عن الكافي بسنده الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام
من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه كان له و إن لم يكنعلى ما بلغه و منها
ما عن الصافي أيضا عن محمد بن مروان قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول
من بلغه ثواب من الله على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلكالثواب أوتيه و إن
لم يكن الحديث كما بلغه و منها
ما عن طرق العامّة عن عبد الرحمن الحلواني رفعا إلى جابر بن عبد اللّه
الأنصاري قال قالرسول اللّه صلى اللَّه عليه و آله من بلغه من الله فضيلة
فأخذ بها و عمل بها إيمانا باللّه و رجاء ثوابه أعطاه اللّه ذلك و إن لم
يكن كذلك هذه ما وصلت إلينا منالأخبار و وفقنا عليه إذا عرفت ذلك فنقول إن
المشهور بين الأصحاب بل العامة ثبوت التسامح في أخبار السنن بمعنى إثباتها
بما لا يجتمع فيهشرائط حجية الخبر كل على مذهبه فيها بل عن غير واحد نقل
الإجماع على ذلك فعن الذكرى أن أخبار الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم و
عن عدّةالداعي لأحمد بن فهد بعد نقل الروايات المتقدّمة ما هذا لفظه فصار
هذا المعنى مجمعا عليه بين الفريقين و عن الشيخ البهائي قدس سره في
أربعينهنسبته إلى فقهائنا و عن الوسائل نسبته إلى الأصحاب مصرّحا بشمول
المسألة لأدلّة المكروهات أيضا و عن بعض الأصحاب نسبته إلى
العلماءالمحقّقين إلى غير ذلك من كلماتهم الظاهرة في دعوى الإجماع و خالف
فيه العلامة في الموضعين من محكي المنتهى و بعض الأخباريّين على ما حكى عنه
طاعنا علىالأصحاب من حيث ذهابهم إلى إثبات الاستحباب و الكراهة بالأخبار
الضعيفة عندهم مع أنه لا تفصيل في مدرك الأحكام و صاحب المدارك حيث قال
فيأوّل كتابه بعد ذكر جملة من الوضوءات المستحبّة و ذكر ضعف مستندها ما
لفظه و ما يقال من أن أدلة السنن يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها
فمنظور فيهلأن الاستصحاب حكم شرعي يتوقّف على دليل شرعيّ انتهى كلامه رفع
مقامه بل ربما يستظهر المنع من الصدوق و شيخه ابن الوليد قال الصدوق في