و هذا معنى ما يقال إن إعطاء كل شيء بحسبه و قد التزم بإرادة الجامع عند
توجيه استدلال السيد أبو المكارم على البراءة و عدم وجوبالاحتياط في
الشبهة التحريمية في قبال الأخباريّين بأن التكليف بالاجتناب تكليف بما لا
يطاق كما ستقف عليه و في غير هذا المقام لكنّ الظاهرمن لآية الشريفة بقرينة
التكليف إرادة فعل المكلف من الموصول من دون تصرّف في النسبة بإرادة
الإطاعة فلا تعلّق لها بالمقام أصلا معأنه على تقدير عدم ظهورها في المعنى
الأخير يسقط الاستدلال بالآية الشريفة هذا كله مع أنّ مساقها مساق قوله
تعالى لا يكلّف اللّه نفساإلاّ وسعها كما جمع بينهما في رواية عبد الأعلى
فظاهرهما أمّا نفي التكليف بغير المقدور أو التكليف بغير الميسور فلا تعلق
لهما بالمقام و منه يظهرعدم جواز الاستدلال للمقام بقوله تعالى في أواخر
سورة البقرة لا يكلف اللّه نفسا إلاّ وسعها قوله
قدس سره بناء على أن بعث الرسول كناية إلى آخره(1) أقول
الآية الشريفة في سورة بني إسرائيل و قد تمسّك بها غير واحد للمقام وفاقا
للفاضل التوني في شرح الوافية و المراد من بعث الرّسولبعثه ببيان التكاليف
و الأحكام و إلا فمجرّد إرسال الرّسل لا يصحّح العذاب قطعا ثمّ
إن مجرى البراءة لما كان مختصّا بما لا بيان فيه أصلا و كان الحكمالعقلي
أيضا بيانا كالبيان النقلي توقف تقريب الدلالة على التصرّف في الآية
الشريفة نعم لو قيل بعدم حجيّة حكم العقل و عدم التلازمبينه و بين حكم
الشرع أو عدم حسن العقاب إلا بالتأكيد الذي يرجع إلى عدم حجيّة حكم العقل
بنوع من الاعتبار كما في الكتاب لم يحتج إلى التصرّففيها وجوه التصرّف على
القول بحجيّة حكم العقل تعميم الرسول لما يشمل العقل لأنه رسول من الباطن
كما عن بعض و إن كان في كمال البعد و جعلهكناية عن البيان لأنه يكون به
غالبا كما في الكتاب و تخصيص الآية بغير المستقلاّت العقلية كما في
القوانين و الكتاب من حيث قيام البرهان الذيقضى بحجيّة حكم العقل عليه و
إن كان ما أفاده في الكتاب مع كون الأخير من باب التخصّص أحسن من الكل كما
هو ظاهر فيتم الاستدلال بالآية على كلاالقولين في مسألة التلازم هذا و أورد
على الاستدلال بها شيخنا قدس سره في الكتاب بأن ظاهرها الإخبار بوقوع
التعذيب سابقا بعد البعثفيختصّ بالعذاب الدنيوي الواقع في الأمم السابقة و
يمكن المناقشة فيه بأنّ كون الآية إخبارا عما أفاده لا ينافي دلالتها على
المدّعى بعد كونه مبنيّا علىمقتضى العدل و الحكمة الإلهيّة الذي لا يعقل
الفرق فيه بين الأمم السّابقة و اللاحقة و العذاب الدنيوي و الأخروي الذي
هو أشدّ من الدنيويبمراتب شتى الذي يدل على سوق الآية لهذا المعنى المبتنى
على الحكمة مضافا إلى شهادة كثير من الآيات المتحد معها من حيث المساق
كقوله تعالى في سورةالقصص و ما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمّها رسولا
يتلو عليهم آياتنا و ما كنّا مهلك القرى إلاّ و أهلها ظالمون و مثله فإنّ
ظاهرهكما هو ظاهر أن الحكمة الإلهية اقتضت أن لا يكون الهلاك إلا بعد
البعث و إتمام الحجّة و أن كلّما وقع الهلاك في أنّه من الأمم كان بعد
إتمام الحجّة و إنكان الهلاك الواقع فيهم من العذاب الدنيوي كما يشهد له
كلمات المفسرين قال في مجمع البيان ما هذا لفظه معناه و ما كنا معذّبين
قومابعذاب الاستئصال إلاّ بعد الإعذار إليهم و الإنذار لهم بأبلغ الوجوه و
هو إرسال الرسول إليهم مظاهرة في العدل و إن كان تجويز مؤاخذتهمعلى ما
يتعلّق بالعقل مستحيلا فعلى هذا التأويل يكون الآية عامة في العقليّات و
الشرعيّات و قال الأكثرون من المفسرين و هو الأصحّ إن المرادبالآية أنه
سبحانه لا يعذّب في الدنيا و لا في الآخرة إلا بعد البعثة فيكون الآية خاصة
فيما يتعلق بالسّمع من الشّرعيّات انتهى كلامه رفع مقامهو قال في محكي
الكشاف في تفسيرها و ما يصح لنا صحة يدعو إليها الحكمة أن نعذب قوما إلا
بعد أن نبعث إليهم رسولا فيلزمهم الحجّة انتهى كلامه فالإنصاف
ظهور الآية في المدعى فيقال في تقريب دلالتها بناء على ما ذكرنا في معناها
أنه كما يستدل بما دلّ على ثبوت العذاب علىالفعل أو الترك بالتحريم أو
الوجوب حيث إنه من لوازمهما و آثارهما كذلك يستدلّ على نفي التحريم قبل
البيان بنفي العذاب قبله بناء على كونالمراد وصول البيان إليهم من الرسول
لا مجرّد بيانه و إن لم يصل إليهم فيدلّ على المدعى ذكر كلام المحقّق القمي في ورود التناقض في التمسّك بالآية في المقامين
قوله
قدس سره ثم إنه ربما يورد التناقض إلى آخره(2) أقول
الجامع هو الفاضل التوني في الوافية فإنه قد تمسّك بالآية الشريفة على
البراءة في المقام و أورد على من تمسّك بها في مسألة الملازمة بينالعقل و
الشرع نظرا إلى دلالتها بظاهرها على إناطة العذاب ببيان الرسول و يلزمها
عدم حجيّة حكم العقل و الملازمة ظاهرة بأن مفاد الآيةالشريفة نفي فعليّة
العذاب قبل بعث الرسول فلا ينافي ثبوت الاستحقاق بالنظر إلى حكم العقل في
بعض الموارد قبله و الملازمة بيّنة علىالاستحقاق لا على الفعلية و المورد
للتناقض بينهما المحقق القمّي قدس سره في القوانين و حاصل التناقض أن
الأخبار بنفي التعذيب قبل بعث الرّسولإن دل على عدم التكليف شرعا و لو في
مورد ثبوت حكم العقل فلا وجه للثاني أي الإيراد فيصحّ التمسّك بالآية على
نفي الملازمة و إن لم يدل عليهكما هو مبنى الإيراد فلا وجه للأوّل إلى
التمسّك بالآية في المقام و إن توجّه الإيراد المانع عن الاستدلال بها في
مسألة الملازمة فالجمع بينالتمسّك بالآية في المقام و الإيراد على التمسّك
بها على نفي الملازمة لا يصحّ على كل تقدير هذا و أجاب عنه بعض أفاضل
مقاربي عصرنافي الفصول بأن الجامع بين المقامين كأنه أراد نفي الوجوب و
التحريم بالمعنى الذي أثبته الخصم فإنه لا يلتزم بكونه ذنبا موعودا عليه
العفو و