الجزء الأول في القطع و الظن
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و به نستعينالحمد للّه ربّ العالمين و صلّى
اللّه على محمّد و آله الطّيّبين الطّاهرين حجج اللّه على الخلق أجمعين و
لعنة اللّه على أعدائهم أبد الآبدين قوله
دام ظلهاعلم أنّ المكلّف إذا التفت إلى حكم شرعيّ فإمّا أن يحصل له الشك أو القطع أو الظّن(1) أقول
المراد من المكلّف أعمّ من المجتهد و العامي كما هو قضيّةظاهر اللّفظ و
التقييد بالالتفات من جهة استحالة حصول الأحوال الثلاثة لغير الملتفت و إن
كان مكلّفا شأنا منقطعا عنه التكليف الفعلي بسببعروض الغفلة فلا يقال إنّ
التقييد غير محتاج إليه أو لا بدّ من أن يحمل على التوضيح ثمّ
إنّ البحث عن الأحوال الثلاثة من حيث حصولها للمكلّفبالمعنى الّذي عرفته و
هو المكلف الفعلي من جهة اقتضاء الفنّ له و إن كانت تحصل لغيره أيضاً كغير
البالغ هذا مع أنّ حصولها له يحتاج إلى توسّع في متعلّقالالتفات في
الجملة و يجعل المراد من الحكم الشرعي ما كان حكما في أصل الشريعة و لو
لغير الملتفت و إن لم يكن كذلك على الإطلاق هذاو يمكن أن يقال إنّ المميّز
بالنّسبة إلى غير الأحكام الإلزاميّة داخل في المكلّف على ما هو الحقّ و
عليه المحقّقون من تعلّقه به و إن كانخارجاً عنه بالنّسبة إليها ثمّ
إنّ حصر متعلّق الالتفات في الحكم الشرعي ليس من جهته اختصاص الأحوال به
بل من جهة أنّه المقصود الأصليبالبحث كما يصرّح به في أوّل رسالة أصالة
البراءة و يظهر من مطاوي كلماته الأخر و سمعنا منه قدّس سرّه مراراً فتأمّل
ثمّ إنّ المراد منالحكم الشرعي ما بيّنوه في أوّل علم الفقه فيشمل الأصول
الاعتقاديّة و العمليّة و الأحكام الفرعيّة و ما يتبعها في الحكم و يخرج
عنه الموضوعاتالصّرفة و ما يلحقها و يشاركها في الحكم ثمّ
إنّ حصر الحاصل للمكلّف الملتفت فيما ذكره عقليّ لا يخفى وجهه و إن كان
هناك أمر آخر خارجعنه و هو الوهم إلاّ أنه لمكان لزومه للظّن لم يعقل جعله
مقابلا له فإنّه كلّما حصل له الظّن حصل له الوهم أيضا هذا مع أنّه لا
معنى للتكلّمعنه لعدم ترتّب أثر عليه من حيث إنّه وهم بوجه من الوجوه كما
هو واضح لا سترة فيه أصلا ثمّ
إنّ المراد من الظنّ و الشك في المقام ظاهرفإنّ المراد من الأوّل هو
الاعتقاد الراجح الغير المانع من النّقيض و إن أطلق على غيره أيضاً و من
الثّاني تسوية الاحتمالين و إن أطلق علىغيرها أيضاً و أمّا القطع فالمراد
منه هو مطلق الاعتقاد الجازم الأعمّ من المطابق للواقع و المخالف له فيشمل
الجهل المركّب أيضا و إن كان داخلافي الغافل و غير الملتفت من جهة في الشك و بيان اختصاص مجاري الأصولية
قوله
.فإن حصل له الشك إلخ(2) أقول
إنّما عنى بذلك بيان ما يعمله المكلّف عند الشك على سبيل الإجمالمع تأخيره الكلام في الشك لنكتة جرى على مراعاتها دأب المؤلّفين ثمّ
إنّ ظاهر هذا الكلام بل صريحه سيّما بملاحظة ما يذكره هنا وفي غير موضع من
الكتاب اختصاص مجاري الأصول بالشك بالمعنى الّذي عرفته لا ما يعمّ الظّن
مطلقا و هو خلاف القطع و اليقين كما عن القوانينو يساعده العرف العام كما
قيل و إلاّ لم يكن معنى لتثليث الأقسام و جعل الظّن مقابلا له و لا ما يعمّ
الظّن الغير المعتبر فقط مع أنّه لم يعهد كونه معنىللشك و من إطلاقاته لا
في اللّغة و لا في العرف العام و الخاصّ مع أنّ قضيّته كون الدليل الظّني
وارداً على الأصل مطلقا و إن كان شرعيّا وهو خلاف ما يقتضيه التحقيق و يصرح
به في غير موضع من الكتاب من كونه حاكما على الأصل الشّرعي مع أنّه فاسد
من جهات أخر غير مخفيّة علىالمتأمّل و قد يناقش فيه تارة بأنّ ما أفاده
قدّس سرّه في المقام ينافي ما صرّح به في أوّل الاستصحاب من أنّ المراد من
الشك المأخوذ في مجاريالأصول المعنى الأعمّ من الظّن الغير المعتبر و أخرى
بأنّه لا يستقيم في شيء من الأصول العقليّة و الشرعيّة أمّا الأصول
العقليّة فلوضوح عدمأخذ الشكّ بالمعنى المزبور في مجاريها عند العقل بل قد
يقال بعدم أخذ الشك بأيّ معنى اعتبر في مجاريها و إنّما المأخوذ فيها عند
العقل