بأنفسها فإنّها من غير العلم و ما يستلزم وجوده عدمه فهو محال و توهّم عدم
شمولها لأنفسها كما عن شيخ شيخنا الأستاذ العلاّمة قدس سره فيهما لا يخفى
لأنّه على تقدير التّسليم إنّما هو من جهة الفرق في مناط الحكم و علّة
المنع قوله
قدس سره و بإزاء هذا التّوهّم إلخ(1) أقول
و قد أشار إليهفي القوانين و أفسده بما لا يخلو عن المناقشة و هو بظاهره
ممّا لا معنى له لأنّ قيام القاطع على حجيّة ظنّ لا يوجب خروجه عن عنوان
الظّنضرورة استحالة انقلاب الموضوع مضافا إلى استحالة تأثير المحمول
المتفرّع على الموضوع في عدمه نعم
لو كان الموضوع للحرمةعنوان التّشريع كان قيام الدّليل على اعتبار الظّن
مخرجا له عن موضوع الحرمة على ما عرفت الإشارة إليه في الجواب الأوّل عن
التّوهم الأوّلو الفرق بينهما في كمال الوضوح فلا تغفل فلو اقتصر المتوهم
في كلامه على الحكم بكون خروج الظّواهر من باب التخصّص من دون ذكر
التّعليللم يتوجّه عليه شيء كما لا يخفى نقل كلام المحقّق القمي في أوّل الاجتهاد و التّقليد
قوله
و أمّا التّفصيل الآخر فهو الّذي يظهر من صاحب القوانين إلخ(2) أقول
الأولى نقل كلامه في أوّلالاجتهاد و التّقليد فإنّه قد أجمل الكلام في
مسألة حجيّة ظاهر الكتاب و أوجزه قال قدس سره في مقام إثبات حجيّة ظنّ
المجتهد من جهة دليلالانسداد بعد جملة كلام له على الاستدلال لحرمة العمل
بالظّن بظواهر ما دلّ من الكتاب عليه ما هذا لفظه فإن قلت
الدّليل عليهأنّه ظاهر الكتاب مثلا و هو حجّة إجماعا فالعام الدّال على حرمة العمل بالظّن قطعي العمل فلا محال قلت
المسلّم من الإجماع هو حجيّة ما هومراد من الكتاب لا ما هو ظاهر منه فإنّ
حجيّة ظواهر الكتاب مسألة اجتهاديّة و انعقاد الإجماع عليها ممنوع لمخالفة
الأخباريّيناعتمادا على أخبار كثيرة مذكورة في محلّها سلّمنا عدم الاعتناء
بشأنهم و إمكان إخراج تلك الأخبار عن ظاهرها لمعارضتها بأقوى منهالكنّا
نقول المسلّم منه حجيّة ما هو متفاهم المشافهين و المخاطبين و من يحذو
حذوهم لأنّ مخاطبته كان معهم و الظن الحاصل للمخاطبينمن جهة أصالة الحقيقة
و القرائن المجازيّة حجّة إجماعا لأن اللّه تعالى أرسل رسوله و كتابه
بلسان قومه و المراد بلسان القوم هو مايفهمونه و كما أنّ التّفهيم يختلف
باختلاف اللّسان كذلك يختلف باختلاف الزّمان و إن توافق اللّسان فحجيّة
متفاهم المتأخّرين عن زمنالخطاب و ظنونهم يحتاج إلى دليل آخر غير ما دلّ
على حجيّة متفاهم المخاطبين المشافهين لمنع الإجماع عليه بالخصوص و لا يمكن
إثباتذلك إلاّ بأحد وجهين الأوّل
انحصار السّبيل إلى الحكم في العمل بتلك الظّنون و دلالة استحالة التّكليف
بما لا يطاق عليه و هو ماذكرناه لأنّ ذلك هو مقتضى الدّليل العقلي المقتضي
لحجيّة ما يصحّ السّبيل إليه من الظّنون من حيث هي ظنّ لا من حيث هي أنّه
ظنّ خاصّإذ الدّليل القطعي لا يدلّ على حجيّة ظنّ خاصّ و المفروض أنّ
الإجماع غير مسلّم في الظّن الحاصل لغير المشافهين و الثّاني
أنّ الكتابالعزيز من قبيل تأليف المصنّفين الّذين يقصدون بكتابهم بقاءه
أبد الدّهر ليفهم منه المتأمّلون فيه بكرور الأيّام على مقدار فهمهمو
يعملون عليه و كذلك المكاتيب و المراسيل و الواردة من البلاد البعيدة سيّما
مع مخالفة لسان المكتوب مع المكتوب إليه فإنّه لا ريب فيجواز العمل
للمدرّسين في التّأليفات و المتعلّمين و المتأمّلين فيها و حملها على مقتضى
ما يفهمون بقدر طاقتهم و لا كذلك المكتوبإليهم المكاتيب فإنّه ممنوع
سيّما فيما اشتمل على الأحكام الفرعيّة إذ الظاهر منها إلقاء الأحكام بين
الأمّة و إعلام المخاطبين بالشرائعو إعلاؤها بينهم و ذلك لا ينافي قصد عمل
الآتين بعدهم و لو بعد ألف سنة بذلك لأجل حصول الطّريقة و استقرار
الشّريعة بعمل الحاضرينو مزاولتهم و نقلهم إلى خلفهم يدا عن يد و لا ينافي
ذلك أيضا تعلّق الغرض ببقائه أبد الدّهر لحصول الإعجاز و سائر الفوائد إذ
ذلكيحصل بملاحظة البلاغة و الأسلوب و سائر الحكم المستفاد منها مع قطع
النّظر عن الأحكام الفرعيّة التي هي قطرة من بحار فوائده إلى أنقال و
الحاصل أنّ دعوى العلم بأنّ وضع الكتاب العزيز إنما هو على وضع المصنّفين
سيّما في الأحكام الفرعيّة دعوى لا يفي بإثباتها بيّنة انتهىكلامه رفع
مقامه في أنّ كلام المحقّق المذكور مشتبه المراد من وجوه
و هو كما ترى مشتبه المراد أمّا أوّلا
فلأنّه لم يعلم المراد من الجواب الأوّل عن السؤال فإنّ قصر قيام الإجماع
على حجيّةالمراد من الكتاب لم يعلم له معنى محصّل إذ المراد لا يمكن
اتّصافه بالحجيّة و عدمها و إنّما القابل للاتّصاف بها ما هو طريق إليه و
كاشفعنه اللّهمّ إلاّ أن يكون مراده تنزيل الإجماع على حجيّة النّصوص
الكتابيّة في قبال الظّواهر بملاحظة استناد المنع إلى مخالفة
الأخباريينفإنّ مخالفتهم في الظّواهر لا في النّصوص على ما أفاده جماعة
منهم و أمّا ثانيا
فلأنّه لم يعلم المراد من قوله و الظّن الحاصل للمخاطبينإلخ حيث إنّ قوله
إجماعا يحتمل أن يراد به الاستدلال بالإجماع و كون المراد من قوله لأنّ
اللّه أرسل رسولا إلخ الإشارة إلى سند المجمعينفالمراد بالإجماع حينئذ
معناه المصطلح و يحتمل أن يراد منه معناه اللّغوي أي الاتفاق فكأنّه قال
قولا واحدا فيكون المراد من قوله لأنّاللّه إلخ الاستدلال بحجيّة الظّن
المستفاد من أصالة الحقيقة و القرائن في حقّ المشافهين و إن كان هذا
التّرديد و الاشتباه فيكلامه غير قادح في أصل المطلب نعم
يرد عليه على كلّ تقدير أنّ الاستدلال بالآية الشّريفة على حجيّة الظن في حق المخاطبين