الصورة كذلك، حيث أنّ الدّوران فيها حقيقة بين تلك الوجوه المخالفة للأصل- بمعنى الظّهور العرفي- و بين الوجوه المعروفة للأصول، و التعارض إنّما هو بين الأصل في الكلام، و بين الأصل في الكلمة، بخلاف الصّور الثلاث المتقدمة، حيث إنّ أحد طرفي الدّوران فيها موافق للأصل.
و كيف كان فالتّرجيح في هذه الصّورة محلّ الإشكال، و الأولى فيها التوقف، و الحكم بالإجمال فإنّ الأخذ بأحد الأصلين المتعارضين ليس بأولى من الأخذ بالآخر، لعدم المرجّح لواحد منهما، من غلبة أو أصل من الأصول.
ثم إنّه وقع التّعارض بين أحد تلك الوجوه، و بين الآخر منها، فالحكم التّوقف، لعدم المرجّح أصلا.
الأمر الثالث
: انّ الأظهر أنّ التضمين حقيقة- كما سيأتي تحقيقه في مسألة الاشتراك إن شاء اللّه- في استعمال اللّفظ في أكثر من معنى، لكنّه بالنسبة إلى غيره من الاستعمالات الحقيقية نادر جدّاً، فلا يصار إليه عند الشّك، و لا يتوقّف أيضا، بل يجب حمل اللّفظ على غيره للغلبة الموجبة لظهوره في غيره عرفا، و إنّما الإشكال فيما إذا دار الأمر بينه و بين غيره من الوجوه المخالفة للأصل، من الوجوه المعروفة، أو الوجوه الّتي ذكرناها، و لم يتعرض أحد منهم لبيانه أيضا.
و كيف كان، فالأولى حينئذ- أيضا- التّوقّف و الإجمال، لأنّ الإضمار، و إن كان حقيقة من حيث الكلمة إلاّ أنّه خلاف الظّاهر عرفا، فيتعارض الأصلان من دون مرجّح لأحدهما فيجب التّوقف.
الأمر الرّابع
: أنّه قد يشكل الأمر فيما إذا دار الأمر بين حمل اللّفظ على أحد الوجوه المخالفة للأصل من الوجوه المعروفة و غيرها، أو حمله على السّهو أو الغلط أو النسيان من المتكلّم.
أصل ينقسم الحقيقة باعتبار الواضع إلى لغويّة و عرفيّة بكلا قسميها العام و الخاصّ، كالشّرعية، و النّحوية، و غيرهما من الحقائق المختصة بواحدة من الطوائف الخاصة.
و الأولى: هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له لغة.
و الثّانية: هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له عرفا، أعني عند كافّة العرب.
و الثّالثة: هي الكلمة المستعملة فيما وضعت له في اصطلاح خاصّ.