واما الصورة
الثانية : فهي محل الكلام في هذا البحث ، فيقع الكلام في جريان استصحاب الحكم
المشكوك بقاؤه ، كما لو شك في بقاء نجاسة الماء المتغير إذا زال تغيره من قبل
نفسه.
وقد عرفت ان
الفاضل النراقي منع جريانه. والوجه في المنع هو : ابتلاء استصحاب بقاء الحكم
بالمعارض ، وهو استصحاب عدم الجعل.
بيان ذلك : انه
إذا شك في بقاء نجاسة الماء المتغير إذا زال تغيره من قبل نفسه ، فلدينا يقينان
سابقان وشكان لاحقان ، يقين بثبوت المجعول وهو النجاسة في السابق ، وشك في بقائها
بعد زوال التغير ، ومقتضى ذلك استصحاب النجاسة المجعولة. ويقين بعدم جعل وتشريع
النجاسة لهذا الموضوع ـ أعني الماء بعد زوال تغيره ـ في صدر الإسلام ، وشك في بقاء
هذا العدم وزواله بجعل النجاسة له ـ كما جعلت لغيره كالماء قبل زوال التغير ، فان
جعل النجاسة لم يكن ثابتا له أيضا ـ ، ومقتضى ذلك استصحاب عدم الجعل. فيكون مورد
الشك مجرى الاستصحابين : استصحاب المجعول واستصحاب عدم الجعل ، وهما متعارضان.
فلا يمكن البناء
على استصحاب الحكم الشرعي ، لأجل معارضته باستصحاب عدم الجعل.
وبهذا التقريب
لكلام النراقي ، لا يتضح إيراد الشيخ [١] عليه ، فانه قدسسره أورد على النراقي
بعد ذكر كلامه : بان الزمان ان لوحظ مفرّدا للموضوع بنحو تكون كل حصة منه فردا
منفصلا عن الحصة الأخرى ، فلا مجال لاستصحاب الوجود لعدم اتحاد الموضوع وان لوحظ
ظرفا للموضوع تعين إجراء استصحاب الوجود ، ولا يجري استصحاب العدم لانقطاعه
بالوجود. فلا يجري الاستصحابان معا حتى يتحقق التعارض.
[١] الأنصاري
المحقّق الشيخ مرتضى. فرائد الأصول ـ ٣٧٧ ـ الطبعة الأولى.