والعقل لإمكان
الإتيان بأحدهما بداهة ، كما انه لا وجه لتفويت الغرض المطلوب.
وثبوت هذا الإيراد
وعدمه موكول إلى محله من محالية الترجيح بلا مرجح وعدمها.
فالإيراد الجزمي
عليه قدسسره فيما أفاده هو : ان مقتضى محالية الترجيح بلا مرجح لزوم جهة ما في المرجح
تصلح للترجيح ، سواء كانت ذاتية فيه أو غير ذاتية ، فلا وجه للحكم بوجود مناسبة
ذاتية بين اللفظ والمعنى ، مع انه يمكن ان يكون الترجيح ووضع خصوص هذا اللفظ لجهة
خارجة عن واقع اللفظ والمعنى ترتبط بعالم المصالح والمفاسد الخارجية فلاحظ.
والنتيجة الحاصلة مما ذكرناه : انه لا يعلم لما ذكره المحقق النائيني قدسسره وجه محصل فتدبر.
وبذلك يعلم ان
الوضع ليس من الأمور الحقيقية الواقعية ، ولا وسطا بين الحقيقي والاعتباري بالمعنى
الّذي قرره المحقق النائيني ، بل من الأمور الاعتبارية المحضة التي تختلف باختلاف
الاعتبارات والأنظار. فيدور الأمر بين الاحتمالات الأربعة المزبورة ، وقد عرفت
تقريب كلام المحقق العراقي بما يمكن إرجاعه إلى الأول وسيأتي تحقيقه ، فيقع الكلام
في الاحتمال الثاني ، وهو كون الوضع جعل اللفظ على المعنى ، وقد التزم به المحقق
الأصفهاني [١].
وقد مهد لكلامه
تمهيدا ، وهو وان لم يرتبط بالنتيجة التي ذكرها الا اننا نذكره لما يترتب عليه من
أثر فيما بعد ، وذلك في مبحث الإنشاء ، حيث قيل ان معنى الإنشاء تسبيب إلى جعل
الشارع واعتباره ، ومقتضى هذا عدم كون الوضع من المعاني الإنشائية ، لأنه اعتبار
مباشري كما تلاحظ.
وهو : ان الأمور
الاعتبارية ما لا واقع لها ولا ثبوت الا في عالم الاعتبار ، بحيث لا يخرج المعنى
المعتبر عن مفهوميته وطبيعته ، ولا يوجد في الخارج وانما
[١] الأصفهاني
المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ١٤ ـ الطبعة الأولى.