الموجود والمعنى ،
لأن استعمال اللفظ متأخر عن الوضع وثبوت الارتباط بينه وبين المعنى ، ووجود اللفظ
انما يكون بالاستعمال ، فالارتباط المدعى حاصل قبل وجود اللفظ ، لأنه ثابت قبل
الاستعمال ولو لم يحصل الاستعمال بعد ، وهذا يعني انه ليس من نسخ الاعراض ، وإلا
لكان ثبوته متوقفا على وجود اللفظ ـ وإلى هذا الإشكال أشار المحقق الأصفهاني في
حاشيته على الكفاية [١] ـ.
وان كان انه من
النحو الثاني الّذي لا وجود له ، بل ليس له إلاّ التقرر في نفس الأمر والواقع ،
فان ادعى انه من الأمور الواقعية التي لا دخل لجعل للجاعل في ثبوتها أصلا ،
كالملازمات لثبوتها في نفسها ، سواء اعتبرها المعتبر أو لم يعتبرها ، وبذلك تكون
من الموجودات الأزلية. إذا ادعى ذلك فهو واضح البطلان ، لوضوح وقوع النقل في
الألفاظ الموضوعة لبعض المعاني الموجب لتحديد العلقة الوضعيّة والارتباط الخاصّ
بين اللفظ والمعنى وتبديل أحد طرفيه وهو المعنى ، وهذا ينافي واقعية الارتباط
وذاتيته بنحو لا تمسه يد الجاعل ولا تصل إليه. ألا ترى ان الملازمة بين وجود
الزوجية ووجود الأربع خارجا من الأمور التي لا تتغير ولا تتبدل ، بل هي متقررة ولو
لم يعتبرها معتبر ، وهكذا الملازمة بين تعدد الآلهة ووجود الفساد ، فانها ثابتة من
دون أن تتغير بالاعتبار ، بل من دون ان يكون للاعتبار دخل في ثبوتها؟ وان ادعى
انها من الأمور الواقعية المنتهية إلى الجاعل ، بمعنى ان ثبوتها الحقيقي كان بسبب
الجعل لا بحسب ذاتها ، فهو معنى معقول ولا يرد عليه النقض السابق ، لفرض كون ثبوته
الواقعي بالجعل ، فمع إلغائه وجعل نحو آخر من الارتباط تتبدل العلقة لا محالة.
إلاّ ان هذه الدعوى لا شاهد عليها ولا برهان ، فالقائل بها مجازف.
وقد نسبت هذه
الدعوى ـ في تقريرات بحث السيد الخوئي [٢] ـ إلى
[١] الأصفهاني
المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ١ ـ ١٢ ـ الطبعة الأولى.
[٢] الفياض محمد
إسحاق. محاضرات في أصول الفقه ١ ـ ٤١ ـ الطبعة الأولى.