ثم اختلف المجوزون [1]، فقال قوم منهم: إنه بطريق الحقيقة. وزاد بعض هؤلاء: أنه ظاهر في الجميع عند التجرد عن القرائن، فيجب حمله عليه حينئذ.
وقال الباقون: إنه بطريق المجاز.
والأقوى عندي جوازه مطلقا، لكنه في المفرد مجاز، وفي غيره حقيقة.
لنا على الجواز: انتفاء المانع، بما سنبينه: من بطلان ما تمسك به المانعون، وعلى كونه مجازا في المفرد: تبادر الوحدة منه عند إطلاق اللفظ، فيفتقر إرادة الجميع [2] منه إلى إلغاء اعتبار قيد الوحدة. فيصير اللفظ مستعملا في خلاف موضوعه. لكن وجود العلاقة المصححة للتجوز أعني: علاقة الكل والجزء يجوزه، فيكون مجازا.
فإن قلت: محل النزاع في المفرد هو استعمال اللفظ في كل من المعنيين بأن يراد به - في إطلاق واحد - هذا وذاك، على أن [3] يكون كل منهما مناطا للحكم و متعلقا للاثبات والنفي، لا في المجموع المركب الذي أحد المعنيين جزء منه.
سلمنا، لكن ليس كل جزء يصح [4] إطلاقه على الكل، بل إذا كان للكل تركب حقيقي وكان الجزء مما إذا انتفى انتفى الكل بحسب العرف أيضا، كالرقبة للانسان، بخلاف الإصبع والظفر ونحو ذلك.
قلت: لم أرد بوجود علاقة الكل والجزء: أن اللفظ موضوع لاحد المعنيين و مستعمل [5] حينئذ في مجموعهما معا، فيكون من باب إطلاق اللفظ الموضوع للجزء و إرادة الكل كما توهمه بعضهم، ليرد ما ذكرت. بل المراد: أن اللفظ لما كان حقيقة في كل من المعنيين، لكن مع قيد الوحدة، كان استعماله في الجميع مقتضيا لالغاء اعتبار قيد الوحدة كما ذكرناه، واختصاص اللفظ ببعض الموضوع له أعني: ما سوى الوحدة. فيكون من باب إطلاق اللفظ الموضوع للكل و إرادة الجزء. وهو غير مشترط بشئ مما اشترط في عكسه، فلا إشكال.