فتكليفه بأحدهما تخييراً لغو، فلا يكون من التزاحم في شيء. و كذا الحال إن كان التعارض بدلالة أحدهما على وجوب شيء و الآخر على وجوب شيء آخر، مع عدم ثالث لهما: كما إذا دل أحدهما على وجوب الحركة، و الآخر على وجوب السكون فان التكليف- بكل واحد من الحركة و السكون تعييناً- تكليف بغير مقدور، و تخييراً طلب للحاصل، فلا يصح اجتماعهما في مقام الجعل، فلا يكون من باب التزاحم.
و أما إن كان التعارض بدلالة أحدهما على وجوب شيء و الآخر على وجوب شيء آخر و كان لهما ثالث: كما إذا دل أحدهما على وجوب القيام و الآخر على وجوب الجلوس، فقد يتوهم كونه من التزاحم، بدعوى أن قيام الأمارة على وجوب القيام موجب لحدوث المصلحة في القيام. و قيام الأمارة على وجوب الجلوس موجب لحدوث المصلحة في الجلوس. و المكلف عاجز عن امتثال كليهما. و حيث أنه قادر على ترك كليهما، فلا محذور في أن يكلفه الشارع بهما تخييراً حذراً من فوت كلتا المصلحتين.
و لكن التحقيق أنه لا يمكن الالتزام بالتزاحم في هذه الصورة أيضا، لأن الأمارة الدالة على وجوب القيام تدل على عدم وجوب الجلوس بالالتزام و كذا الأمارة الدالة على وجوب الجلوس تدل على عدم وجوب القيام بالالتزام، لعدم صحة التكليف بالمتضادين في آن واحد، فثبوت أحدهما ينفي الآخر بالالتزام، لما بينهما من المضادة فيكون المقام بعينه من قبيل تعارض دليلين: يدل أحدهما على وجوب صلاة الظهر، و الآخر على وجوب صلاة الجمعة، مع العلم الإجمالي بعدم أحد التكليفين، فيرجع إلى التعارض بالتناقض. و قد تقدم استحالة دخول التعارض بالتناقض في التزاحم، فانه بعد دلالة أحد الدليلين على وجوب القيام بالمطابقة و دلالة الآخر على عدم وجوبه بالالتزام، يلزم من قيام الأمارة الأولى حدوث المصلحة الملزمة في القيام، و من قيام الأمارة الثانية زوالها عنه، فيلزم اجتماع وجود المصلحة و عدمها في القيام، و هو اجتماع