و فيه أن ظاهر قوله عليه السلام: «و لكن تنقضه بيقين آخر» كون اليقين الثاني متعلقاً بارتفاع ما تعلق بحدوثه اليقين الأول، ليكون اليقين الثاني ناقضاً لليقين الأول، بل بعض الأخبار صريح في هذا المعنى، و هو قوله عليه السلام في صحيحة زرارة: «لا حتى يستيقن أنه قد نام» فجعل فيه الناقض لليقين بالطهارة- اليقين برافعها و هو النوم. و ليس اليقين الثاني في مورد قيام الأمارة متعلقاً بارتفاع ما تعلق به اليقين الأول، بل بشيء آخر- و هو حجية الأمارات- فلا يكون مصداقاً لنقض اليقين باليقين، بل من نقض اليقين بغير اليقين.
فتحصل مما ذكرناه في المقام: أن تقديم الأمارات على الاستصحاب لا بد من أن يكون من باب الحكومة، لما ظهر من بطلان التخصيص و الورود. و تقريب كونه من باب الحكومة يحتاج إلى بيان الفرق بين التخصيص و الورود و الحكومة.
فنقول: التخصيص هو رفع الحكم عن الموضوع بلا تصرف في الموضوع، كقوله عليه السلام: «نهى النبي صلى اللَّه عليه و آله عن بيع الغرر» فانه تخصيص لقوله تعالى: «و أحل اللَّه البيع» لكونه رافعاً للحلية بلا تصرف في الموضوع بأن يقال: البيع الغرري ليس بيعاً مثلا، و كذا سائر أمثلة التخصيص. و يقابله التخصص مقابلة تامة، إذ هو عبارة عن الخروج الموضوعي التكويني الوجداني بلا إعمال دليل شرعي، كما إذا أمر المولى بوجوب إكرام العلماء، فالجاهل خارج عنه خروجاً موضوعياً تكوينياً بالوجدان بلا احتياج إلى دليل شرعي. و ما بين التخصيص و التخصص أمران متوسطان: و هما الورود، و الحكومة. أما الورود فهو عبارة عن انتفاء الموضوع بالوجدان لنفس التعبد لا لثبوت المتعبد به- و إن كان ثبوته لا ينفك عن التعبد- إلا أن ثبوته إنما هو بالتعبد. و أما نفس التعبد فهو ثابت بالوجدان لا بالتعبد، و إلا يلزم التسلسل. و ذلك كالأمارات بالنسبة إلى الأصول العقلية: