غير مرة من أن الإهمال بحسب مقام الثبوت غير معقول، فلا محالة تكون حجية الأمارات إما مطلقة بالنسبة إلى العالم و الجاهل، أو مقيدة بالعالم، أو مختصة بالجاهل.
و لا مجال للالتزام بالأول و الثاني، فانه لا يعقل كون العمل بالأمارة واجباً على العالم بالواقع، و كيف يعقل أن يجب على العالم بوجوب شيء أن يعمل بالأمارة الدالة على عدم الوجوب مثلا، فبقي الوجه الأخير، و هو كون العمل بالأمارة مختصاً بالجاهل، و هو المطلوب. فدليل الحجية في مقام الإثبات و إن لم يكن مقيداً بالجهل، إلا أن الحجية مقيدة به بحسب اللب و مقام الثبوت. مضافا إلى أنه في مقام الإثبات أيضا مقيد به في لسان بعض الأدلة، كقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون) فقد استدل به على حجية الخبر تارة، و على حجية فتوى المفتي أخرى. و كلاهما من الأمارات و قيد بعدم العلم بالواقع. فلا فرق بين الأمارات و الأصول من هذه الجهة.
فما ذكروه- من أن الجهل بالواقع مورد للعمل بالأمارة و موضوع للعمل بالأصل- مما لا أساس له.
و ذكر صاحب الكفاية (ره) وجهاً آخر: و هو أن الأدلة الدالة على اعتبار الأمارات تدل على حجيتها بالنسبة إلى مدلولها المطابقي و مدلولها الالتزامي، فلا قصور من ناحية المقتضي في باب الأمارات. بخلاف الاستصحاب. فان مورد التعبد فيه هو المتيقن الّذي شك في بقائه، و ليس هذا إلا الملزوم دون لازمه، فلا يشمله دليل الاستصحاب، فإذا قُدّ رجل تحت اللحاف نصفين و لم يعلم أنه كان حياً، فباستصحاب الحياة لا يمكن إثبات القتل، لأن مورد التعبد الاستصحابي هو المتيقن الّذي شك في بقائه و هو الحياة دون القتل. و كذا غيره من الأمثلة التي ذكرها الشيخ (ره).
و لا يمكن الالتزام بترتب الآثار الشرعية المترتبة على اللوازم العقلية أو العادية- لأجل القاعدة المعروفة، و هي أن أثر الأثر أثر على طريقة قياس المساواة، لأن هذه الكلية