و فيه: أن حقيقة الإنشاء ليست إلّا استعمال اللفظ في معناه، و إلقاء المعنى باللفظ كما في الأخبار، بل و كما في المعاني التصورية، و إنّما يفترق عن الإخبار و التصوّرات بأنّ مفاده مصداق لإيجاد أمر اعتباريّ، و جعل اعتباريّ لهذا الأمر الاعتباري، فاذا علّق و اشترط جعله الاعتباريّ على شرط فلا محالة لا جعل له لهذا الأمر الاعتباري إلّا في ذاك الموطن الخاصّ، فتبعا لجعله لا يتحقّق مجعوله إلّا في هذا الموطن، و إلّا لزم تحقّق المنشأ بلا إنشاء، فكما أنّه اذا أخبر بقضية تعليقية مثل قوله: «إن سافرت اسافر معك» فإنّما حكى عن أنه يتحقّق منه هذا الأمر المعلّق، أعني سفره- مثلا- في فرض خاصّ و موطن مخصوص، أعني في فرض سفر مخاطبه، فكذلك اذا قال: «إن سافر زيد يجب عليك السفر» إنّما ينشئ وجوب السفر في فرض مسافرة زيد و موطنه، فكما لا تحقّق لما أخبر به هناك في غير فرض شرطه، كذلك لا تحقّق للوجوب هنا إلّا اذا تحقّق شرطه، و هذا هو مراد الكفاية بقوله: و إنشاء أمر على تقدير كالإخبار به بمكان من الإمكان، كما يشهد به الوجدان [1]. انتهى. لا ما في نهاية الدراية فلا يرد عليه ما فيها، فراجع [2].
هذا كلّه في الإشكال الإثباتي، و رجوع القيد الى الهيئة.
و أمّا الثانية: فهي ما في التقريرات في مواضع متكرّرة
، و حاصله ما في الكفاية، و مرجعه الى دعوى شهادة الوجدان بفعلية الإرادة و الشوق المؤكّد في جميع الصور، و لازمها فعلية البعث و الوجوب، و كون الوجوب استقباليّا. هذا.
و الجواب عنه: أنّا إذا راجعنا أنفسنا نجد القيود على قسمين:
فتارة يكون القيد بحيث لو لم يتحقّق فلا حاجة لنا أو لمن نقوم بشأنه الى ذلك الفعل المقيّد، كشرب الدواء، فإنّا ما دمنا سالمين فلا حاجة لنا و لا قصور في جسمنا تقتضي شرب الدواء، بل ربما كان شربه مضرّا بحالنا و سلامتنا، فالمرض قيد، وجوده شرط حدوث احتياجنا الى شرب الدواء.
و تارة يكون الاحتياج حاصلا، إلّا أنّ القيد لو لم يتحقّق لم يؤثّر الفعل، و لم