قد اشتهر حسن الاحتياط عقلا [1]، و غير خفيّ أنّ الاحتياط المنتهي إلى الوسواس، ليس مستحسنا، فالمراد من أنّ الاحتياط حسن، هو الاحتياط مع قطع النظر عن بعض تبعات مترتّبة عليه أحيانا، كالعسر و الحرج، و الضرر، و أشباه ذلك.
و ربّما يشكل الأمر من جهة أنّ مفهوم «الاحتياط» هل ينتزع عن قصد ذهنيّ؛ و لا يرتبط بالخارج، أم يعدّ من الانتزاعيّات عن عمل خارجيّ؟ لا سبيل إلى الأوّل؛ فإنّ في فعل العبادة الكذائيّة أو الأمر التوصّلي، احتياطا عمليّا، فيكون في موارد احتمال الأمر و الإخلال بالواجب، احتياط بإتيان العمل الخارجيّ، و أمّا الاحتياط في النيّة فغير معقول؛ لأنّه أمر خارج عن الاختيار حسب العادة.
فعلى هذا، كيف يعقل الاحتياط في ناحية احتمال النهي و المبغوضيّة؛ فإنّ الترك عدم مطلق، فكيف ينتزع هناك مفهوم «الاحتياط»؟! و الضرورة قاضية بامتناع أخذ عنوان وجوديّ من العدم الصرف الذي لا واقعيّة له بتاتا.
فإذا ترك مشتبه الخمر يعبّر عنه ب «أنّه احتاط» و هل هذا المفهوم يحكي عن حيثيّة وجوديّة، أو عدميّة؟ لا سبيل إلى الثاني، و لا إلى الأوّل، و لا إلى الثالث: و هو أنّ مفهوم «الاحتياط» كمفهوم «العدم» يحكي عن العدميّة في الخارج و عن السلب؛ فإنّ هذا المفهوم وجوديّ مشترك مع ما يستعمل في ناحية الاحتياط في الإتيان