عديدة: أحدها: اللفظ. و ثانيها: معناه الذي وضع الواضع اللفظ بإزائه. و ثالثها: دلالته التي هي أثر من آثاره، و هو جلبه للمعنى من ظرف نفس الأمر إلى ذهن المخاطب. و رابعها: نفس الصورة المجلوبة التي هي أثر جلب اللفظ الموضوع عند العالم بالوضع. و لا ريب أن المتكلم ينشئ بحركة لسانه و يحدث اللفظ، و يتبعه الدلالة و الصورة الحاصلة في ذهن المخاطب تبع المعلول لعلته التامة، فإنشاء اللفظ و الدلالة و المعنى مشترك بين الأخبار و الإنشاء، و إنما الفرق بين (اضرب) و (زيد قام) حيث يقولون: أن الأول إنشاء و الثاني أخبار في الأمر الثاني، و هو الذي وضع الواضع هيئة (اضرب) و تركيب الجملة بإزائه، و وجه الفرق: أن معنى الأول: الطلب القائم بنفس المتكلم، و معنى الثاني: النسبة الثبوتية بين زيد و القيام في الخارج، و حيث إن معنى الأول يحدث [1] به سمي إنشاء، و معنى الثاني يوجد لا به سمي إخبارا، لأنه حكاية عن موجود، لا أنه إيجاد و إحداث. و كذلك في صيغ العقود، فإن معنى كونه إنشاء كونه موجدا لمعناه و هو النقل و التمليك و إذا كان إخبارا كان حاكيا عن وجود نقل سابق أو لا حق [2].
الثالثة: أن الطلب بمقتضى فهم العرف
و طريقة اللسان هو فعل قلبي أو [3] ظاهري ينشأ من الميل ليؤدى إلى المطلوب، فمجرد كون الشيء محبوبا عند أحد لا يستلزم طلبه له، فإن التمني و الترجي و الاستفهام و النداء و الأمر و النهي كلها أمور زائدة على المحبة و الكراهة [4] و هما داعيان إلى طلب الفعل أو الترك بالتفات قلب أو قول أو إشارة أو غير ذلك، و معنى الأمر ليس ماهية الطلب، لكون الدال هيئة موضوعة بالوضع العام لخصوصيات الطلبات [5] فمعنى الأمر: الطلب الخاص،
[2] حيث كانت العبارة غير خالية عن مسامحات أدبيّة، غيّرها مصحّح «م» بما يلي: فإنّ معنى كونها إنشاء أنّها موجودة لمعانيها، و إذا كانت إخبارا كانت حاكية عن وجودها سابقا أو لا حقا.