قال ابن حيّان : وحصّن مدينة قرمونة من أعظم معاقل الأندلس ، وجعلها مرتبطا لخيوله ، وكان ينتقل بينها وبين إشبيلية. واتخذ الجند ورتّبهم طبقات ، وكان يصانع الأمير عبد الله بالأموال والهدايا ، ويبعث إليه المدد في الصّوائف. [١] وكان مقصودا ممدّحا ، قصده أهل البيوتات فوصلهم ، ومدحه الشعراء فأجازهم ، وانتجعه أبو عمر ابن عبد ربّه صاحب العقد ، [٢] وقصده من بين سائر الثوار ، فعرف حقّه ، وأعظم جائزته.
ولم يزل بيت بني خلدون بإشبيلية ـ كما ذكره ابن حيّان وابن حزم وغيرهما ـ سائر أيام بني أمية إلى أزمان الطّوائف ، [٣] وانمحت عنهم الإمارة بما ذهب لهم من الشوكة.
ولما علا كعب بن عبّاد [٤] بإشبيلية ، واستبدّ على أهلها ، استوزر من بني خلدون هؤلاء ، واستعملهم في رتب دولته ، وحضروا معه وقعة الزّلّاقة [٥] كانت لابن عبّاد وليوسف بن تاشفين [٦] على ملك الجلالقة ، فاستشهد فيها طائفة كبيرة من بني
[١] الصوائف جمع صائفة وهي غزوات المسلمين إلى بلاد الروم. سميت صوائف لأنهم كانوا يغزون صيفا تفاديا من شدّة البرد والثلج (تاج العروس).
[٢] أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي (٢٤٦ ـ ٣٢٨) صاحب كتاب العقد الفريد ترجمته في الوفيات ١ / ٣٩ اليتيمة ١ / ٤١٢ معجم ياقوت ٢ / ٦٧.
[٣] يبتدئ عصر ملوك الطوائف بالأندلس بنهاية الخلافة الأموية ، وينتهي بغلبة يوسف بن تاشفين المرابطي عليهم جميعا ، واستيلائه على الأندلس. انظر تاريخ ابن خلدون ٤ / ١٥٦ وما بعدها.
[٤] أبو القاسم المعتمد محمد بن المعتضد بن عباد (٤٣١ ـ ٤٨٨) أكبر ملوك الطوائف بالأندلس ترجمته في : الوفيات ٣ / ٣٦. المعجب ص ٦٣ ؛ نفح الطيب ٢ / ٤٦٩ تاريخ ابن خلدون ٤ / ١٥٦ وما بعدها.
[٥] وقعة الزلاقة هذه من المعارك ذات الأثر البعيد في الحياة الإسلامية بالأندلس ، ولذلك أكثر المؤرخون من الحديث عنها. انظر مثلا نفح الطيب ٢ / ٥٢٣ والوفيات ٢ / ٤٠ ، ٤٨٣ ، والروض المعطار ص ٨٣ ـ ٩٥ ، الاستقصا ١ / ١١١ ـ ١١٩.
[٦] انظر ترجمة يوسف بن تاشفين (٤١٠ ـ ٥٠٠) في الوفيات ٢ / ٤٨١.