ولمّا كنت في الاعتمال في مشايعة السّلطان عبد العزيز ملك المغرب ، [١] كما ذكرت تفاصيله ، وأنا مقيم ببسكرة في جوار صاحبها أحمد بن يوسف بن مزنى ، وهو صاحب زمام رياح ، وأكثر عطائهم من السّلطان مفترض عليه في جباية الزّاب ، [٢] وهم يرجعون إليه في الكثير من أمورهم ، فلم أشعر إلا وقد حدثت المنافسة منه في استتباع العرب ، ووغر صدره ، [٣] وصدّق في ظنونه وتوهّماته ، وطاوع الوشاة فيما يوردون على سمعه من التقوّل والاختلاق ، وجاش صدره بذلك ؛ فكتب إلى ونزمار بن عريف ، [٤] وليّ السّلطان ، وصاحب شواره ، يتنفّس الصّعداء من ذلك ، فأنهاه إلى السّلطان ، فاستدعاني لوقته ، وارتحلت من بسكرة بالأهل والولد ، في يوم المولد الكريم ، سنة أربع وسبعين ، متوجّها إلى السّلطان ، وقد كان طرقه المرض ؛ فما هو إلا أن وصلت مليانة من أعمال المغرب الأوسط ، فلقيني هنالك
[١] هو أبو فارس ؛ عبد العزيز بن أبي الحسن بن أبي سعيد بن يعقوب بن عبد الحق المريني ، بويع سنة ٧٦٧ ، وتوفي سنة ٧٧٤. من ألمع ملوك بني مرين ؛ أعاد إلى الدولة قوتها وشبابها ، وأزال عنها حجر المستبدّين ؛ وإلى أبي فارس هذا أهدى ابن خلدون مقدمته ، ولا تزال صيغة الإهداء محفوظة بديباجة النسخة المطبوعة ببولاق. وانظر العبر ٧ / ٣٧٦ ، جذوة الاقتباس ص ٢٦٨ ، نثر فرائد الجمان ، ورقة ٢٧.
[٢] بلاد الزاب : منطقة واسعة كانت تشغل المساحة الواقعة في جنوب جبال أوراس ، وتشمل بسكرة ، وما حولها. وانظر خريطة الجزائر للادريسي رقم ٥١ ، ٥٢ ، وياقوت ٤ / ٣٦٥. وبغية الرواد ٢ / ٢٣ ، والترجمة الفرنسية ٢ / ٢٦.