وحسن تدبير وسماحة وملاحظة لأهل الخير والصّلاح [١] حتى سمعت أبا العلاء محمد بن عليّ الصّوفي ، وكان يحضر عند هذا الوزير قبل ولايته وبعدها مع أبي بكر أحمد ابن عبد الرحمن الفارسي شيخ رباط الزّوزنيّ ، وكان قريبا من الوزير ومخالطا له ، يحكي أنّ الوزير أبا الفرج لما خلع عليه خلع الوزارة وجلس بالدّيوان العزيز ـ مجّده الله ـ أوّل توقيع علّم فيه وكتب بأمره توقيع بصلة تضمن إطلاق أكرار [٢] من الغلّة تحمل إلى قوم من الفقراء : إمّا برباط الزّوزني أو غيره ، الشك مني ، وقال الوزير : إني نذرت إن صرت إلى هذا المنصب : أنّ أوّل توقيع أوقّع به يكون بصدقة وبرّ.
فلم يزل على أمره ، وله أعداء يسعون في فساد حاله والإمام المستضيىء بأمر الله ـ رضياللهعنه ـ يدفع عنه حتى تمّ لهم ما راموه فعزل في اليوم العاشر من شوّال سنة سبع وستين وخمس مئة ولزم بيته [٣]. ثم لم يزالوا متتبّعين له عاملين في أذاه حتى أدّت الحال إلى خروجه من داره ومنزله بأهله إلى الحريم الطّاهري بالجانب الغربي ، فخرج من دار الخلافة المعظّمة في ليلة الاثنين ثاني عشر جمادى الأولى سنة سبعين وخمس مئة [٤] ، وأقام برباط شيخ الشيوخ أبي
[٢] جمع «كر» والكر مكيال للحبوب مشهور ويساوي (٦٧٥) كغم كما ذكر الأستاذ هنز في كتابه عن المكاييل.
[٣] قال ابن الجوزي : «وفي يوم الأحد عاشر شوال دخل نجاح الخادم على الوزير ابن رئيس الرؤساء ومعه خط من الخليفة يذكر أنه قد استغنى عنه فأمر بطبق دواته وحل إزاره وقيامه من مسنده ، ففعل ذلك ، وقبض على ولده أستاذ الدار ... وفي صبيحة الثلاثاء نهبت دار الوزير ودار ولده فأخذ منها الكثير» المنتظم ١٠ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨ وتجد بعض تفاصيل في المرآة لسبطه في حوادث السنة نفسها.
[٤] ذكر ابن الأثير هذه الحادثة في حوادث سنة ٥٦٩ ه ورجّحها شيخنا العلامة الدكتور مصطفى جواد ، وهو ترجيح ليس بالقوي إذ فصّل ذلك ابن الجوزي تفصيلا كبيرا في حوادث سنة ٥٧٠ ه (المنتظم ١٠ / ٢٥٠ ـ ٢٥١).