دفع ابن عميرة إلى بذل مجهود دائم من أجل إيوائهم وتوطينهم في مهاجرهم ومساعدة بعضهم في الحصول على مناصب عمل. ومن الخدمات الجليلة التي أدّاها إلى مواطنيه من أهل شرق الأندلس استصداره ظهيرا من الخليفة الموحدي الرشيد يقضي بإسكان هؤلاء في مدينة رباط الفتح ، وقد تولى بنفسه كتابة هذا الظهير في شهر شعبان سنة ٦٣٧ ه أثناء توليه الكتابة عن الخليفة المذكور [١]. ويجمل ابن عبد الملك هذه الخصلة البارزة من شيمه قائلا : " وكان حسن الخلق والخلق ، جميل السعي للناس في أغراضهم حسن المشاركة لهم في حوائجهم ، متسرعا إلى بذل مجهوده فيما أمكن من قضائها بنفسه وجاهه" [٢].
يتبين مما سبق أن استقرار العناصر المهاجرة واللاجئة من شرق الأندلس لم يكن مقتصرا على مكان أو مدينة واحدة من بلاد العدوة ، ولكنها توزعت على مجموعة من تلك المدن ، وأن خدمة ابن عميرة بقلمه وجاهه لم تقتصر على جماعة دون أخرى من هؤلاء. فقد كان كثير التوصيات والشفاعات في حقهم ، فتجده يستوصي إما بعالم شريف ، أو بشاعر مدين ، أو بعزيز قوم ذل ، أو برجل فقد ثروته وماله ، أو بمن نبا به الوطن وأنحى عليه الزمن. وكان ممن خدمهم المؤلف هذا الرجل الميورقي الذي استجاب لرغبته في تدوين خبر سقوط جزيرة ميورقة. ففي أي بلد من بلدان المغرب وإفريقية كانت الاستجابة لهذه الرغبة؟ هذا ما سنعود إليه في العنصر الموالي.
خامسا : تاريخ تأليف الكتاب
لم يقتصر المؤلف على إهمال ذكر المكان الذي استجاب فيه لتأليف