الحميد يجبي الجند وكان في ولايته ضعف فخرج نحو الحجاز واستخلف عباد بن عمر الشهابي ، فقام بالأمر حتى قدم عليه عامل الخليفة اسحق بن العباس من ولد عبد الله بن عباس ، وكان قدومه آخر رجب سنة ٢٠٩ فأساء السيرة وعسف الرعية ، وظهرت منه اخلاق منكرة غليظة. ونال من أهل اليمن [١] كل منال ، وتعصب عليهم تعصّبا لم يفعله أحد قبله ، كان لا يسأل أحدا عن نسبه فينسب إلى حمير إلّا قتله ، ولم يترك لهم ذكرا حتى أمر بقلع الخوخ الحميري مما [٢] أسرف به في التحامل عليهم.
وفي أيامه في سنة ٢١٦ [٣] كانت الزلزلة الشّديدة بصنعاء وعدن انهدمت منها المنازل ، وخربت القرى وهلك عالم لا يحصى ، ولم يزل هذا العامل يمرح في طغيانه لا يخاف خليفة بغداد لبعده ولا غيره حتى هلك بهذا العام ، واستخلف عند موته ولده يعقوب فلم تصف له اليمن ، وكان بينه وبين أهل صنعاء خلاف أفضى إلى قتال ، قتل فيه جماعة من أهل صنعاء ، ثم انهزم إلى ذمار ، فعزله المأمون بعبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس ، فقدم في المحرم سنة ٢١٧.
ولم يزل بها إلى أن مات المأمون سنة ٢١٨ فلحق بالعراق واستخلف عباد بن [٤] عمر الشهابي ، ولما ولي المعتصم أقر الشّهابي على عمله عدة سنين [٥] ، ثم عزله بعبد الرحيم بن جعفر بن سليمان الهاشمي ، ثم عزله المعتصم بمولاه جعفر بن دينار وذلك سنة ٢٢٥ ، فأرسل جعفر خليفة له يقال منصور بن عبد الرحيم التنوخي ، فقدم اليمن في صفر من السنة
[١] وليت شعري اين كان ملك اليمن بأسره والحجاز بأسره ليخلص اليمن من فضائح هذا الأحمق الغشوم.