وهذا آخر ما انتهى إليه القلم في الموضوع ، ولم يصل إليه إلّا بعد الحران [١] ، وصوارف الاقتران ، وذلك أنّني لمّا خرجت عن سيئون [٢] .. عرض ما يوجب تصنيف «السّيف الحادّ لقطع الإلحاد» [٣] ، ثمّ لمّا قاربت الحسيّسة .. نجم ما يقتضي تأليف «نسيم حاجر في تأييد قولي عن مذهب المهاجر» ، وبإثره انفسخت العزيمة ، وضعفت الهمّة ، حتّى عالجتها بمثل قول أبي الطّيّب [في «العكبريّ» ٤ / ١٤٥ من الوافر] :
ولم أر في عيوب النّاس عيبا
كنقص القادرين على التّمام
فانبعثت ثالثة ، لكن بخطا قصيرة ، وصدر ضيّق ، مع أنّ الموضوع ليس من فنّي [٤] ، ولا يليق بسنّي ، وإنّما كان الأحرى هو الإقبال على الدّار الأخرى ، وأستقيل الله من العثار ، ومن غثاء الإكثار ، وقد قالوا : إنّ أعراض الخلق حفرة من حفر النّيران ، وقف على شفيرها القضاة والمحدّثون ، وأهل التّاريخ فيهم يدخلون.
وأنا في المدح أخوف منّي في القدح ؛ إذ قرّرت في «بلابل التّغريد» أن لا غيبة لفاسق مطلقا ؛ فكيف بها للمصلحة؟
[٣] ألفه في الرد على كتاب «وحدة الأديان» للصّافي ، طبع بعدن سنة (١٣٦٧ ه).
[٤] هذا من هضم النفس وكسرها ، وإلا .. فمن لهذا الفن الذي لم يدع فيه رحمه الله شاذة ولا فاذة إلا وأوردها ، ولا فائدة وحسن عائدة إلا واقتادها .. سواه ، ولكنه اعتذر بما يأتي .. فأبان عن حسن اعتذاره.
[٥] البيت من الطويل ، وهو لبشار بن برد في «ديوانه» (١٨٥).