نام کتاب : سر الأسرار و مظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار نویسنده : الجيلاني، عبد القادر جلد : 1 صفحه : 98
ذئب عليه ثياب، و هو الذي حذر منه النبي صلى
اللّه عليه و سلم بقوله: «أخوف ما أخاف على أمتي من كل منافق عليم اللسان». و في
حديث آخر: «أخوف ما أخاف على أمتي من علماء السوء». نعوذ باللّه من هذا، فابعد منه
و هرول، لئلا يختطفك بلذيذ لسانه فتحرقك نار معاصيه، و يقتلك فتن باطنه و قلبه.
(و الرجل الثالث) قلب بلا لسان، و هو مؤمن ستره اللّه عزّ و جلّ من
خلقه، و أسبل عليه كنفه، و بصره بعيوب نفسه، و نور قلبه، و عرفه غوائل مخالطة
الناس و شؤم الكلام و النطق، و تيقن أن السلامة في الصمت و الانزواء و الانفراد، و
اسمع قول النبي صلى اللّه عليه و سلم: «من صمت نجا»[1].
و اسمع قول بعض العلماء: العبادة عشر أجزاء، تسعة منها في الصمت، فهذا رجل ولي
اللّه عزّ و جلّ، في ستر اللّه محفوظ ذو سلامة و عقل وافر، جليس الرحمن منعم عليه،
فالخير كل للخير عنده، فدونكه و مصاحبته و مخالطته و خدمته و التحبب إليه بقضاء
حوائج تسنح له و مرافق يرتفق بها، فيحبك اللّه و يصطفيك، و يدخلك في زمرة أحبائه و
عباده الصالحين ببركته إن شاء اللّه تعالى.
(و الرجل الرابع) المدعو في الملكوت بالعظيم كما جاء في الحديث عن
النبي صلى اللّه عليه و سلم: «من تعلّم و علّم، و عمل دعي في الملكوت عظيما»[2]، و هو العالم باللّه عزّ و جلّ و
آياته، استودع اللّه عزّ و جلّ قلبه غرائب علمه، و أطلعه على أسرار طواها عن غيره،
و اصطفاه و اجتباه و جذبه إليه ورقاه، و إلى باب قربه هداه، و شرح صدره لقبول تلك
الأسرار و العلوم، و جعله جهبذا و داعيا للعباد و نذيرا لهم و حجة فيهم، هاديا
مهديا شافعا مشفعا صادقا صديقا، بدلا لرسله و أنبيائه عليهم صلواته و سلامه و
تحياته و بركاته.
فهذه هي الغاية القصوى في بني آدم، لا منزلة فوق منزلته إلا النبوة،
فعليك به و احذر أن تخالفه و تنافره و تجانبه و تعاديه و تترك القبول منه و الرجوع
إلى نصيحته، و قوله: فإن السلامة فيما يقول عنده، و الهلاك و الضلال عند غيره إلا
من يوفقه اللّه عزّ و جلّ و يمده بالسداد و الرحمة.
فقد قسمت لك الناس، فانظر لنفسك إن كنت ناظرا، و احترز لها إن كنت
محترزا لها شفيقا عليها، هدانا اللّه و إياك لما يحبه و يرضاه.
[1] - رواه الترمذي( 4/ 660)، و الدارمي( 2/ 387)، و
أحمد في المسند( 2/ 159، 177)، و الطبراني في الأوسط( 2/ 264)، و القضاعي في
الشهاب( 1/ 219).