نام کتاب : سر الأسرار و مظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار نویسنده : الجيلاني، عبد القادر جلد : 1 صفحه : 20
فالنّفس توسوس في دائرة الشّريعة من
المخالفات، و في دائرة الطّريقة من الموافقات تلبيسا كدعوى النّبوة و الولاية، و
في دائرة المعرفة من الشّرك الخفيّ من النّورانيّات كدعوى الرّبوبيّة كما قال
تعالى: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ...
[الجاثية:
الآية 23].
و أمّا دائرة الحقيقة فلا مدخل فيها للشّيطان و النّفس و لا
الملائكة، لأنّ غير اللّه تعالى يحترق فيها كما قال جبرائيل 7: «لو
دنوت أنملة لاحترقت»[1]، فيخلص
العبد عندئذ من الخصمان النّفس و الشّيطان، فيكون مخلصا كما قال اللّه تعالى: ... فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا
عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) [ص: الآيتان 82، 83] و
من لم يصل إلى الحقيقة لم يكن مخلصا؛ لأنّ الصّفات البشريّة لا تفنى إلّا بتجلّي
الذّات، و لا ترتفع الجهوليّة إلّا بمعرفة الذّات سبحانه و تعالى، فيعلّمه اللّه
بلا واسطة من لدنه علما لدنيّا فيعرفه بتعريفه، و يعبده بتعليمه كالخضر 7. و هناك يشاهد الأرواح القدسيّة، و يعرف نبيّه محمّدا 6، فتنطبق نهايته إلى بدايته، و الأنبياء يبشّرونه بالوصال الأيديّ كما
قال اللّه تعالى: ... وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً
[النّساء: الآية 69].
فمن لم يصل بهذا العلم لم يكن عالما في الحقيقة و لو قرأ ألف ألف من
الكتب بحيث لا يبلغ إلى الرّوحانيّة[2].
فعمل الجسمانيّة بظاهر العلوم جزاؤه الجنّة فقط، و تجلّي عكس الصّفات
بثمّة، فالعالم لا يدخل بمجرّد علم الظّاهر إلى حرم القدس و القربة؛ لأنّه عالم
الطّيران، و الطّير لا يطير إلّا بجناحيه، فالعبد الّذي يعلم العلمين: الظّاهر و
الباطن يصل إلى ذلك العالم كما قال اللّه تعالى في الحديث القدسيّ: «يا عبدي إذا
أردت أن تدخل حرمي فلا تلتفت إلى الملك و الملكوت و الجبروت، لأنّ الملك شيطان
العالم، و الملكوت شيطان العارف، و الجبروت شيطان الواقف، من رضي بأحد منها فهو
مطرود عندي»[3]. و المراد
منه مطرود القرية لا مطرود الدّرجات، و هم يطلبون القربة و لا يصلون إليها؛ لأنهم
طمعوا غير مطمع، لأنّ لهم جناحا واحدا، و لأنّ لأهل القربة