و بناء على ما ذكر فإنَّ لشيئين مهمّين
ثقلًا كبيراً في تجلّي سلطان المعرفة: الأوّل، المراقبة بجميع مراتبها. و الثاني،
التوجّه إلى النفس. فبالتوجّه إلى هذين الأمرين سوف يتّضح للسالك تدريجيّاً أنَّ
الكثرة في هذا العالم تنبع من عين واحدة. و كلّ ما يتحقّق فيه هو من مصدر واحد، و
أنَّ أي موجود بقدر ما له من النور و الجمال و البهاء يستقي من تلك العين المعِين،
و أنَّ ذلك المصدر العظيم يفيض على كلّ موجود بقدر سعة وجوده- التي هي قابليّاته
الماهويّة- أنوار الوجود و الجمال و العظمة. و بعبارة اخرى أنَّ الفيض من جانب
الفيّاض المطلق يفاض بشكل مطلق و بدون قيد و شرط أو حدّ، و كلّ موجود يأخذ منه
بقدر وسع ماهيّته.
انكشاف عوالم التوحيد الأربعة إثر المراقبة التامّة و التوجّه إلى
النفس
نعم؛ و تنكشف للسالك- نتيجة للمراقبة التامّة و الاهتمام الشديد بها
و على إثر التوجّه إلى النفس و بالتدريج- عوالم أربعة هي كالتالي:
العالم الأوّل: توحيد الأفعال، أي إدراك السالك في المرحلة الاولى
أنَّ كلّ ما تراه العين و يلفظه اللسان و تسمعه الاذن و تقوم به اليد و الرجل و
سائر الأعضاء و الجوارح، كلّ ذلك يستند إلى نفسه، و أنَّ النفس هي الفاعلة المحضة،
ثمّ يدرك أنَّ الأفعال التي تتحقّق في الخارج تستند إلى نفسه، و أنَّ نفسه هي مصدر