العلوم، أو يهجروا كتابا من الكتب، و لا
يتعصبوا على مذهب من المذاهب، لأن رأينا و مذهبنا يستغرق المذاهب كلها، و يجمع
العلوم جميعها: و ذلك أنه هو النّظر في جميع الموجودات بأسرها الحسيّة و العقلية،
من أولها إلى آخرها، ظاهرها و باطنها، جليّها و خفيّها، بعين الحقيقة من حيث هي
كلّها من مبدإ واحد، و علّة واحدة، و عالم واحد، و نفس واحدة، محيطة جواهرها
المختلفة، و أجناسها المتباينة، و أنواعها المفنّنة، و جزئياتها المتغايرة.
و قد ذكرنا في الرسالة الثانية أن علومنا مأخوذة من أربعة كتب: أحدها
الكتب المصنفة على ألسنة الحكماء و الفلاسفة، من الرياضيات و الطبيعيات؛ و الآخر
الكتب المنزلة التي جاءت بها الأنبياء، صلوات اللّه عليهم، مثل التوراة و الإنجيل
و الفرقان و غيرها من صحف الأنبياء المأخوذة معانيها بالوحي من الملائكة، و ما
فيها من الأسرار الخفيّة؛ و الثالث الكتب الطبيعية، و هي صور أشكال الموجودات بما
هي عليه الآن من تركيب الأفلاك، و أقسام البروج، و حركات الكواكب و مقادير
أجرامها، و تصاريف الزمان، و استحالة الأركان، و فنون الكائنات من المعادن و
الحيوان و النبات، و أصناف المصنوعات على أيدي البشر. كلّ هذه صور و كنايات دالات
على معان لطيفة و أسرار دقيقة يرى الناس ظاهرها و لا يعرفون معاني بواطنها من لطيف
صفة الباري، جل ثناؤه. و النوع الرابع الكتب الإلهية التي لا يمسّها إلّا
المطهّرون الملائكة التي هي بأيدي سفرة[1] كرام بررة،
و هي جواهر النفوس و أجناسها و أنواعها و جزئياتها، و تصاريفها للأجسام و تحريكها
لها، و تدبيرها إياها، و تحكّمها عليها، و إظهار أفعالها بها و منها حالا بعد حال،
في ممرّ الزمان و أوقات القرانات و الأدوار، و انحطاط بعضها تارة إلى قعر الأجسام،
و ارتفاع بعضها تارة من ظلمات الجثمان، و انبعاثها من نوم الغفلة و النسيان،