قال أرسطوطاليس: إن الدائرة الأولى التي دون السماء دائرة النار، و
الثانية دائرة الهواء، و الثالثة دائرة الماء، و الرابعة دائرة الأرض.
يخرج من دائرة الأرض لونان من الدخان، أحدهما لطيف خفيف يتصاعد إلى
العلو، و إذا قرب من دائرة الهواء، غلظ و ارتفع فيها إلى أن يقرب من دائرة النار
فيحمى و لا يجد السبيل إلى النفوذ، فينحطّ راجعا إلى معدنه، فيكون منه المطر. و
اللون الآخر من الدخان يثور من قرارها و يدور إلى سطحها، و هو كثيف ثقيل، فتكون
منه الجبال، فإذا رجع الدخان الصاعد إلى البخار الثابت، شربته الجبال فصار فيها
كالروح منه في الماء، فإذا نضب الماء ظهرت الجبال و رجع الدخان و انعقد منه في
باطنها و خللها و منافذها أجناس المعادن. فإذا كملت له القوّة و اجتمعت طبائعه و
قوي جسده و ما حلّت فيها، ظهر منها بحسب بعدها من الاعتدال فيه. و الأربعة تدور
إلى الاثني عشر، لأن الأربع الدوائر بإزاء ما في الأرض من الجزائر، فتكون أفعالها
فيها موجودة كوجود أفعال الكواكب السبعة في الاثني عشر برجا كدوران الشمس فيها.
و للحكماء في هذا القول إشارات خفيّة و أسرار دقيقة لا يطّلع عليها و
لا يعرف العمل بها إلّا إخوان الصفاء الذين صفت أذهانهم، حتى بلغوا إلى تصفية ما
احتاجوا إليه من هذه الطبائع، و مزجوا بعضها ببعض، فحصل التشبّه بالإله- بحسب
الطاقة الإنسانية- فنالوا سعادة البقاء في الدنيا بالطّمأنينة، و جعلت لهم في
الآخرة خيرات الدار الحيوانية التي هي الحياة الحقيقية.
و اعلم يا أخي أنه بمعرفة البخارين الخارجين من التراب، أحدهما لطيف
و الآخر كثيف، و ثبات السّفلى و رجوع العليا إليه، و قراره فيه و ثباته معه، يكون
تمام العمل و إحكامه.