الأجساد و عالم الكون و الفساد. و نريد أن
نبيّن في هذه الرسالة من قسم الصنائع الطبيعية ما إن وصلت إليه و قدرت عليه، نلت
أعلى الحظوظ منها، و رقيت أعلى درجاتها و أجلّ طبقاتها. و قد أكثرت الحكماء من
القول فيه و الإشارة إليه و الدّلالة عليه في جميع اللغات، و الناس جميعهم طالبون
له، و فيه راغبون، و ليس بأحد من العالم غنى عنه و لا إياس منه، و هو الطّلّسم
المنصوب لعمارة الدنيا، و الجوهر المحبوب، و المعدن المطلوب، و هو المغناطيس
الأكبر، و الكبريت الأحمر، و به يتفاخر أهل الدنيا، و عليه يتحاربون، و على جمعه و
ادّخاره يتكالبون، و علمه مما دونه من المعادن يستخرجون، و يطلبون الوقوف على
كيفية استخراجه من الأجسام المنطرقة و انفصامه عنها و تخليصه منها، و تحويل كيانه
إلى كيان غيره، و انتزاع لون من لونه، و إقلاب الأعيان في كونه، حتى يكون ما هو
دونه في منزلته و لا حقا بالتدبير الواقع به إلى درجته، و واصلا إلى مرتبته، و مشاركا
له في فضيلته، إذا حصلت له صورته المضيئة و رؤيته البهيّة، إذا نقي وصفا، صفا من
شوائب التغيير بما ينبغي له من التدبير.
و نريد أن نأتي بفصل نذكر فيه شيئا من ذلك مما رمزت به الحكماء، و
أشارت إليه العلماء، و تتدبره بنفسك الطاهرة، و أنوارك الظاهرة، و روحك المضيئة
الصافية من نجاسة المعصية، لعلك تفوز بمعرفة سر الطبيعة، فتزهد فيها بعد القدرة
عليها و الوصول إليها، فإن الزّهادة فيها، عند القدرة و الاستطاعة و التمكن منها،
هي أحسن و أزين من الزّهادة فيها و المرء محال بينه و بينها. و عند ذلك تكمل تلك
الصورة الصافية فتصير كالمرآة الصقيلة التي تتراءى في جوهرها الصّور المسامتة لها
بما هي به، لا مضادّة و لا متباينة و لا مختلفة، فيتحير الناظر فيها بما يراه
منها، غير شاكّ في صدقه و لا مرتاب بحقه. بلّغك اللّه تعالى و إيانا إلى غاية
الصفاء، و أنار نفوسنا بوضوح