فخرا، و قد أشرنا إليها و نبّهنا عليها، إذ
كانت هي القائدة إلى العلوم الإلهية، فنريد أن نذكر أشرف الصنائع الطبيعية و
التركيبات الجسمانية، و أجلّ ما ينتهي إليه من ذلك الإنسان، و به يفضّل على من
دونه من جنسه و يصير إليه، مثل الحيوان، بالحاجة إليه و الخضوع بين يديه. و هذا
القسم أيضا ضرب من السحر، إذ كان العالم بأسره مربوطا بمحبته، و حريصا على طاعته،
و هو معرفة قلب الأعيان من كيان إلى كيان، و تحويل خاصّة الشيء من مكان إلى مكان
في الأوقات التي تنبغي له من الزمان، ثم ما دون ذلك من الصنائع، فعليه نصبت و من
أجله علمت، لينال منه كلّ بحسب القدرة و الاستطاعة.
و إنما سمينا رسالتنا هذه «رسالة السحر و العزائم» و بيّنا القول
فيها:
ماهيّته و كميّة أقسامه، و كيفية أفعاله، ليستدلّ إخواننا الأبرار
على الأسرار الخفية، إذا نظروا فيها بالنفس المضيئة و القرائح الزكية، و أدمنوا النظر
في استقرائها بالفكر و الرويّة، و ليكونوا، إذا بلغوا إلى معالي العلوم و شرائف
الصنائع، ذوي غنى عن الحاجة إلى من سواهم في جميع ما يحتاجون إليه من أمر معيشة
الدنيا. فإذا وصلوا إلى هذه المرتبة و حصلوا هذه المنزلة، صحّ لنا أن نسميهم
بإخوان الصفاء.
و اعلم يا أخي أن حقيقة هذا الاسم هي الخاصّة الموجودة في المستحقين
له بالحقيقة لا على طريق المجاز.
و اعلم يا أخي، أيدك اللّه تعالى، أنه لا سبيل إلى صفاء النفس إلّا
بعد بلوغها إلى حدّ الطّمأنينة في الدين و الدنيا جميعا، و هي أن يعرف الإنسان-
بحسب قدرته و بلوغ استطاعته- توحيد اللّه جلّ جلاله، و المعرفة بحقائق الموجودات و
غرائب المكوّنات، بإذن اللّه تعالى باريه الذي خلقه و أبدعه و برأه، و عبادته و
تنزيهه و تمجيده عمّا يجده في مخلوقاته و يشاهده في مصنوعاته، و بعد ذلك ما يكون
به صلاح معيشة الدنيا و الغنى عن الحاجة فيها إلى من عدم هذه