و اعلم يا أخي أن أقوى ما يكون فعل إبليس في دور السّتر، و ذلك لأن
حجّة اللّه، عزّ اسمه، في أرضه و خليفته في عباده يكون مختفيا مستورا، و إن كانت
أنواره تضيء في نفوس العارفين به و الراجعين إليه الذين لا يغرّهم ما يرونه من
قوّة ملوك الدنيا و خلفاء الشياطين، فإنها أمور زائلة مضمحلّة فانية لا بقاء لها و
لا دوام، و لا ينظرون من أمامهم إلى ملكه و سلطانه في دور ستره، و لا يشكّكهم فيه
دور الخفاء و الاستتار، بل يكون الإمام عندهم في حال ستره و خفائه، لأن جميع ما
يجوّزونه على النبي المرسل فقد يجوّزون مثله على الوصيّ و على الإمام، إذ كان
النبيّ أشرفهم و أعلاهم رتبة، فهم يجوّزون على النبي الموت و القتل و الهرب من
الأعداء، إذا لم يجد أنصارا، و الأكل و الشّرب و النّكاح و الفرح و الغم، و أن
الأمور الفلكيّة تطرأ على أجسامهم كما تطرأ على أجسامنا، غير أن نفوسهم الروحانية
الشريفة النّورانيّة هي من خارج الأفلاك فلا يحكم الفلك على أنفسهم بل على
أجسادهم، و أنهم بالأجساد مثلنا، غير أن بالأنفس فرقا بيننا و بينهم مثل ما بين
الحيوان الغير الناطق و بيننا.
و هذا ميدان يطول، إن أردنا شرحه خرجنا عن غرض هذه الرسالة، فنعود
إلى ما كنّا فيه فنقول: و إذ قد ذكرنا كيفيّة ابتداء المملكة و عقد التاج و نصب
سرير الملك، فلنذكر من علم هذه الصناعة و العمل بها كيفيّة نصب لواء العزّ و
الولاية و عقد التاج و علامة الحروب، فهو أحسن أعمال هذه الصناعة بعد ما ذكرناه.