و العدول الأحد عشر الذين شهدوا عليك
بالزور، فكان من الواجب أن تظلمني أنت و تفرّ من حكمي؟ فما أقول؟ فحاجّهم بهذا. و
ذلك أن القوم كان في حكم شريعتهم، إذا شهد العدول على واحد من الناس بحكم ما، كان
واجبا عليه أن ينقاد و إن كان مظلوما، فمن لم ينقد كان ظالما لحكم الناموس، يعني الشريعة.
و انقاد سقراط للقتل من أجل هذا، ثم قال: من تهاون بالناموس قتله
الناموس! و لما تناول شربة السّمّ ليشربها، بكى من حوله الحكماء و الفلاسفة حزنا
عليه. فقال لهم: لا تبكوا، فإني و إن كنت مفارقا لكم إخوانا حكماء فضلاء فإني أذهب
إلى إخوان لنا حكماء فضلاء كرماء، و قد تقدمنا فلان و فلان، و عدّ جماعة من
الفلاسفة الحكماء الذين كانوا قد ماتوا قبله.
فقالوا: إنما نبكي على أنفسنا حين نفقد أبا حكيما مثلك.
فصل
و مما يدل على أن أفلاطون حكيم اليونانيين كان يرى هذا الرأي و
يعتقده، يعني بقاء النفوس و صلاح حالها بعد مفارقة الجسد، قوله في بعض حكمته:
لو لم يكن لنا معاد نرجو فيه الخير، لكانت الدنيا فرصة الأشرار. و
قال أيضا: نحن هاهنا غرباء في أسر الطبيعة و جوار الشياطين، أخرجنا من عالمنا
بجناية كانت من أبينا آدم! و كلام نحو هذا.
و مما يدل على أن أرسطاطاليس صاحب المنطق يرى هذا الرأي و يعتقده،
كلامه في الرسالة المعروفة بالتّفاحة، و ما تكلم به حين حضرته الوفاة، و ما احتج
به من فضل الفلسفة، لأن الفيلسوف يجازى بفلسفته بعد مفارقة النفس الجسد.
و مما يدل على أن فيثاغورث صاحب العدد، و هو من الفضلاء الحكماء،