امور دنياهم، و حياة أجسادهم، و دفع المضرّة
عنها، و هم يهلكون نفوسهم و هم لا يشعرون!
فصل
و مما يدل على أن الفلاسفة الحكماء المتألهين كانوا يرون هذا الرأي و
يعتقدونه تسليم سقراط جسده للتّلف، و تناوله شربة السّمّ اختيارا منه: و ذلك أن
هذا الرجل كان حكيما من حكماء بلاد يونان و فلاسفتها، و كان قد أظهر الزّهد في
الدنيا و نعيمها و لذاتها، و رغب في سرور عالم الأرواح و روحها و ريحانها، و دعا
الناس إليها و رغّبهم فيها، و زهّدهم في المقام في عالم الكون و الفساد، فأجابه
إلى ذلك جماعة من أولاد الملوك و كبار الناس، و اجتمع حوله الأحداث و أولاد النّعم
يسمعون حكمته و غرائب نوادر كلامه، فحسده جماعة من مخالفيه و من يريد الدنيا و
زينتها، و اتّهموه بمحبة الصبيان، و قالوا إنه يتهاون بعبادة الأصنام و يأمرهم به!
وسعوا به إلى الملك، و شهد عليه بالزور أحد عشر رجلا بأنه واجب قتله، فحبس أشهرا
يرون في قتله. فاجتمع عنده في الحبس نحو من سبعين فيلسوفا، مخالفا و موافقا،
يناظرون في رأيه و ما يعتقدونه في أمر النفس و بقائها بعد مفارقة الجسد، و صلاح
حالها، فحاجّهم كلّهم و صحح رأيه في بقاء النفس و صلاح حالها بعد فراق الجسد، و
لهذا قصة يطول شرحها في كتاب. فمما قيل له: إن كنت مظلوما، فهل لك أن تخلص من
القتل بفدية من مال أو بهرب؟
فقال: أخاف أن يقول لي الناموس غدا: لم فررت من حكمي يا سقراط!
فقالوا له: تقول: لأني كنت مظلوما.
فقال: أ رأيتم إن قال لي الناموس: أ رأيت أن ظلمك بالقضاة