و قد جعلنا الرسائل كلها على أربعة أقسام:
القسم الأول رياضية يبتدئ بها، و القسم الثاني جسمانية طبيعية يتلو بها، و القسم
الثالث نفسانية عقلية من بعدها، و القسم الرابع ناموسية إلهية هي آخرها.
و هذه الرسالة هي آخر الرسائل من القسم الرابع و هي الحادية و
الخمسون نريد أن نذكر فيها ماهيّة السحر و كيفيّة عمل الطّلّسمات، و أنها كأحد
العلوم و المعارف المتعارفة، و كبعض الحكم المستعملة، و نستشهد عليها بما سمعناه
من العلماء و عرفناه من كتب القدماء الذين كانوا فيما مضى قبلنا.
و اعلم أيها الأخ، أيدك اللّه، أننا رأينا اليوم أكثر الناس
المتغافلين إذا سمعوا بذكر السحر، يستحيل واحد منهم أن يصدق به، و يتكافرون بمن
يجعله من جملة العلوم التي يجب أن ينظر فيها أو يتأدب بمعرفتها، و هؤلاء هم
المتعالمون و الأحداث من حكماء دهرنا المتخلفين و المدّعين بأنهم من خواص الناس
المتميزين، و ذلك لأنهم لما رأوا بعض المتعاملين بهذا العلم و الخائضين في طلبه من
غير معرفة له، إما أبله قليل العقل، أو امرأة رعناء، أو عجوزا خرفة بلهاء، فرفعوا
أنفسهم عن مشاركة من هذه حاله إذا سمعوا بذكر السّحر و الطّلّسمات أنفة منهم لئلا
ينسبوا إلى الجهل و إلى التصديق بالكذب و الخرافات، إذ كان أولئك السخفاء الطالبون
لهذا العلم يطلبونه لأغراض لهم سخيفة دنيئة من غير معرفة توجب الطلبة و لا ما
المقصود منه و الغرض، و لم يعلموا أن هذا هو جزء من الحكمة بل هو جزء و آخر علوم
الحكمة، لأنه يحتاج قبله إلى تعلم علوم تقدّمه، فمنها علم النجوم الذي هو معرفة
ثلاثة أشياء و هي الكواكب و الأفلاك و البروج.
فالبروج اثنا عشر برجا، و الأفلاك تسعة، و الكواكب المعروفة ألف و
تسعة و عشرون كوكبا، فمنها سبعة سيّارة- و قد ذكرناها في الرسالة الثالثة من القسم
الأول من كتابنا هذا- و هو كالمدخل على علوم النجوم جميع ما يحتاج إلى تقديمه من
ذلك. فأما سوى البروج و الكواكب و الأفلاك