يأكلها ممن يفرق فيهم و يشبعهم و يكفيهم.
فإذا خرج ذلك من حلّه و دفع إلى أهله بنفس طيبة و نيّة صادقة كان قربانا مقبولا و
كفّارة نافعة، و دعاء مستجابا، فهذا قربان شرعي.
و أما الفلسفي فهو مثل ذلك إلّا أن النهاية فيه التقرّب بالأجساد إلى
اللّه سبحانه بتسليمها إلى الموت و ترك الخوف، كما فعل سقراط لما شرب السمّ
المذكور قصّته في كتاب «فاذن»، و كاستبشار أرسطاطاليس لما نزل الموت به لما حزن
عليه تلامذته و ما كان من خطابه و وصيته المذكورة في رسالة «التفاحة».
و اعلم أيها الأخ أن أعظم القرابين هو ترك النفس محبة الدنيا، و
الزهد فيها، و قلة الخوف من الموت، و تمنّيه.
و أما قربان إخوان الصفاء فهو قربان يجمع هذه الخصال كلها بأسرها،
شرعيّها و فلسفيّها، و هو التقرب بما تقرّب به إبراهيم من الكبش الممنون به عليه
فداء لولده الذي قد رعى في أرض الجنّة أربعين خروفا، فإن تمكنت أن تتقرّب بكبش رعى
في أرض الجنة و لو شبرا، فافعل و لا تقعد عنه، و اجتهد في ذلك لتكون قد بلغت
المجهود، و أقمت المثل، و عمرت عالم اللّه تعالى، و أرجو أن يوفقك اللّه لفهم ما
تسمع و يجعلك من أهله.
و لما كان هذا الفصل جامعا للفضائل النفسانية، و علمنا أنك متى
امتثلت فيه الوصية، كملت لك الصورة الملكية، و كانت لك في معادك مهيّأة لوصولك
إليها و نزولك عليها، ختمنا الرسالة بهذا الفصل و سمّيناه «الفصل الجامع للفوائد
النافعة» و هو منها بمنزلة القلب من الجسد و الرأس من البدن، و هو نهاية الغرض بعد
الوقوف على ما فيها، و الارتسام بجميع ما رسمنا، و الاعتماد على ما وصفنا.
و اعلم أيها الأخ أن كلامنا هذا تشهد بصحته العقول السليمة، و تسكن
إليه النفوس الصافية المشتاقة إلى ربها، و تعضده الآيات المكتوبة في الآفاق و
الأنفس،