و لما كان الفلك معمورا باثني عشر برجا، كذلك وجد في بنية الجسد اثنا
عشر ثقبا مماثلة لها، و كما أن في النفس الفلكية في كل برج من أبراج الفلك قوى
موكّلة بها، كذلك لنفس الإنسان في كل حاسة من جسمه قوى موكلة بها تصدر عنها و ترجع
إليها.
و لما كانت الأبراج ستة منها جنوبية و ستة شمالية، كذلك وجد للإنسان
ستة ثقوب في الجانب الأيمن و ستة في الجانب الأيسر مماثلة لها بالكمية و الكيفية
جميعا.
و لما كان في الفلك سبعة كواكب سيارة بها تجري أحكام الفلك في
الكائنات، و بها يكون نظام الموجودات، كذلك يوجد في الجسد سبع قوى فعالة منبثّة من
النفس الإنسانية، متصلة بالقوة الطبيعية بما يكون به صلاح الجسد. و لما كانت هذه
الكواكب ذوات نفوس و أجسام و أفعال روحانية تفعل بما يظهر من فعلها في الموجودات
من الحيوان و النبات، كذلك يوجد في جسم الإنسان سبع قوى جسمانية تفعل في الجسم ما
يكون به بقاؤه و نموه و صلاحه بموادّ سبع قوى و هي: الجاذبة، و الماسكة، و
الهاضمة، و الدافعة، و الغاذية، و النامية، و المصوّرة؛ و سبع قوى روحانية مماثلة
لقوى روحانيات الكواكب السبعة، و هي القوى الحساسة، و بها كمال الإنسان و تمام
أفعاله، كما أن بالسبعة الكواكب زينة الفلك و قوامه و استواء العالم الأعلى و
نظامه، و هي القوة الباصرة، و الشامّة، و الذائقة، و السامعة، و اللامسة، و
الناطقة، و العاقلة.
و القوى الخمس تشبه الكواكب الخمسة، و هاتان القوّتان، أعني الناطقة
و العاقلة، مشابهتان للشمس و القمر، و ذلك أن القمر من الشمس يأخذ نوره بجريانه في
منازله الثماني و العشرين، كذلك الناطقة من القوة العاقلة تأخذ معاني