و بالجملة ينبغي لمن أراد أن يعرف النفس قبل
معرفتها أن يبحث عن أمرها و يطلب علمها بسبعة مباحث: أحدها يبحث هل النفس شيء من
الأشياء الموجودات أو هذه تسمية فارغة لا معنى تحتها، و قد بيّنا في رسالة البرهان
وجودها. و الثاني يبحث هل هي عرض، كما بيّنا في رسالة لنا. و الثالث يبحث كم هي
أجناس النفوس الموجودات في العالم، كما بيّنا في رسالة قول الحكماء:
الإنسان عالم كبير. و الرابع يبحث كيف يكون رباط النفس مع الجسد، كما
بيّنا في رسالة تركيب الجسد. و الخامس يبحث أين كانت النفس قبل رباطها بالأجساد،
كما بيّنا في رسالة مسقط النطفة. و السادس يبحث عنها إذا فارقت أجسادها أين تكون،
كما بيّنا في رسالة البعث و القيامة. و السابع يبحث ما الغرض في كونها مع الأجساد
تارة و مفارقتها تارة، كما بيّنا في رسالة أن الإنسان عالم صغير، فإن رأى الشيخ أن
يتأمل و ينظر فيها و يتأمل معانيها، فعل.
فصل في مهنة النفوس و عشقها للأجسام
و اعلم أيها الأخ أن مثل هذه النفس الجزئية، مع شرف جوهرها و ما هي
عليه من غربتها في هذا العالم الجسماني، و ما قد ابتليت به من آفات هذا الجسد و
فساد هيولاء، كمثل رجل حكيم في بلد الغربة قد ابتلي بعشق امرأة رعناء، فاجرة
جاهلة، سيئة الأخلاق، رديئة الطبع، و هي في دائم الأوقات تطالبه بالمأكولات
الطيبة، و المشروبات اللذيذة، و الملبوسات الفاخرة، و المسكن المزخرف، و الشهوات
المردية، و إن ذلك الحكيم، من شدة محبته لها و عظم بلائه بصحبتها، قد صرف كل همته
إلى إصلاح أمرها، و أكثر عنايته بتدبير شأنها، حتى قد نسي أمر نفسه و إصلاح شأنه،
و بلدته التي خرج منها، و أقرباءه الذين نشأ معهم أولا، و نعمته التي كان فيها
بديّا.
و اعلم أيها الأخ البار الرّحيم أن جوهر النفس جوهرة سماوية، و
عالمها عالم