ينبغي أن يكون بناء هذه المدينة في الأرض
حيث تكون أخلاق أهل سائر المدن الجائرة؛ و لا ينبغي أيضا أن يكون بناؤها على وجه
الماء لأنه يصيبها من الأمواج و الاضطراب ما يصيب أهل المدن التي على السواحل من
البحار؛ و لا ينبغي أن يكون بناء هذه المدينة في الهواء مرتفعا لكيلا يصعد إليها
دخان المدن الجائرة فتكدر أهويتها، و ينبغي أن تكون مشرفة على سائر المدن ليكون
أهلها يشاهدون حالات أهل سائر المدن في دائم الأوقات؛ و ينبغي أن يكون أساس هذه
المدينة على تقوى اللّه كيلا ينهار بناؤها، و أن يشيّد بناؤها على الصدق في
الأقاويل و التصديق في الضمائر، و تتم أركانها على الوفاء و الأمانة كيما تدوم و
يكون كمالها على الغرض في الغاية القصوى التي هي الخلود في النعيم.
فإذا فرغنا من بنائها بنينا المركب الذي هو سفينة النجاة، حتى تكون
السفينة مستقلة بثقل الأجساد و تكون المدينة مأوى الأرواح.
و ينبغي أن يكون تعاون أهل المدينة مرتبا أربع مراتب: إحداها مرتبة
أرباب الأركان الأربعة ذوي الصنائع، و الثانية مرتبة ذوي الرئاسات، و الثالثة
مرتبة الملوك ذوي الأمر و النهي، و الرابعة مرتبة الإلهيّين ذوي المشيئة و
الإرادة.
و ينبغي أن يكون تدبير ذوي الصنائع يجري في المرءوسين كسريان الضوء
في الهواء، و كسريان القوة النامية في الأركان الأربعة التي هي النار و الهواء و
الماء و الأرض، و يكون سريان سياسة ذوي الرئاسات يسري في أرباب ذوي الصنائع،
كسريان الألوان في الضياء، أو كسريان القوة الحيوانية في القوة النامية، و يكون
نفاذ أمر الملوك ذوي السلطان يسري في الرؤساء ذوي السياسة كسريان القوة الباصرة في
إدراك الألوان، و كسريان القوة الناطقة في القوة الحيوانية، و يكون سريان مشيئة
الإلهيين ذوي الإرادة يسري في الملوك ذوي السلطان كسريان العقل في المعقولات، أو
كسريان