فهلمّ بنا يا أخي، أيدك اللّه و إيانا بروح
منه، لنجتمع و نتعاون على ذلك.
و ينبغي أن تعلم أيها الأخ أنه لا يجتمع اثنان على أمر من الأمور
إلّا و لاجتماعهما علة تجمعهما و سبب يحفظهما على تلك الحال، فما دامت تلك العلّة
باقية و ذلك السبب ثابتا، دامت لهما تلك الحال، و إن بطلت تلك العلّة و انقطع ذلك
السبب، تفرقا بعد اجتماعهما و تنافرا بعد إلفهما.
و اعلم أيها الأخ البارّ الرّحيم، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، أنه
ليس من جماعة يجتمعون على تعاون في أمر من أمور الدنيا و الآخرة أشدّ نصيحة بعضهم
لبعض من تعاون إخوان الصفاء! و ينبغي أن تعلم أن العلة التي تجمع بين إخوان الصفاء
هي أن يرى و يعلم كل واحد منهم أنه لا يتمّ له ما يريد من صلاح معيشة الدنيا، و
قيل الفوز و النجاة في الآخرة، إلّا بمعونة كل واحد منهم لصاحبه. و أما السبب الذي
يحفظهم على تلك الحال فهو المحبة و الرحمة و الشفقة و الرفق من كل واحد منهم، و
المساواة فيما يريد و يحب و يبغض و يكره لنفسه.
و اعلم أن هذه الشرائط تتم و تدوم إذا علم كل واحد منهم بأن أنفسهم
نفس واحدة و إن كانت أجسادهم متفرقة.
و اعلم أيها الأخ أن أكثر الناس يريدون و يتمنون أن تكون بينهم صلة و
صداقة و أخوّة لا تكدرها تصاريف الزمان، و لكنهم لا يعرفون ما العلة المانعة لهم
عن ذلك، و ما السبب الموجب لكونها.
فينبغي أن تعلم أيها الأخ أن المانع للناس أن يكونوا أصدقاء، و
المانع للأصدقاء أن يكونوا إخوانا أصفياء، على ما يقتضيه العقل، هو إما علة غير
موجودة، و إما سبب غير مفقود. فإن كانت علة غير موجودة فما هي لنطلبها؟ و ان كان
سببا غير مفقود فما هو لنقطعه و نزيله؟
و ينبغي أن تعلم أيها الأخ أن المانع من ذلك هو أسباب موجودة نحتاج
أن نقلع عن تلك الأسباب حسب لا غير. و هي أربعة أجناس: أحدها سوء