بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا فيما ينكرون
على الشريعة من أحكامه و ما يعيبون عليه من موضوعاته، يعني يتغامزون على أهل
الشريعة المستعملين لها كما قال اللّه تعالى: «و إذا مرّوا بهم يتغامزون». كل ذلك
جهلا منهم بأسرار الشريعة و عمى عن أحكامها كما وصفهم اللّه تعالى: «صمّ بكم عمي
فهم لا يعقلون».
فصل
و اعلم أن للكتب الإلهية تنزيلات ظاهرة و هي الألفاظ المقروءة
المسموعة، و لها تأويلات خفيّة باطنة و هي المعاني المفهومة المعقولة، و هكذا
لواضعي الشريعة موضوعات عليها وضعوا الشريعة، و لها أحكام ظاهرة جليّة، و أسرار
باطنة خفيّة، و في استعمال أحكامها الظاهرة صلاح للمستعملين في دنياهم، و في
معرفتهم أسرارها الخفيّة صلاح لهم في أمر معادهم و آخرتهم، فمن وفّق لفهم معاني
الكتب الإلهية، و ارشد إلى معرفة أسرار موضوعات الشريعة، و اجتهد في العمل
بالسّنّة الحسنة و السّير بسيرته العادلة، فإن تلك النفوس هي التي إذا فارقت الجسد
ارتفعت إلى رتبة الملائكة التي هي جنّات لها، و هي ثماني مراتب، و فازت و نجت من
الهيولى ذي الثلاث الشّعب التي هي الطول و العرض و العمق، و ارتفعت في درجات
الجنان و المراتب الثمان التي سعة كل واحدة منها كعرض السماء و الأرض. و من لم
يرشد لفهم تلك المعاني و لا معرفة تلك الأسرار، و لكن وفّق للعمل بسنّته العادلة و
أحكامه الظاهرة، فإن تلك النفوس عند مفارقتها الجسد تبقى محفوظة على صورة
الإنسانية التي هي الصّراط المستقيم إلى أن يتفق لها الجواز على الصّراط المستقيم،
و إلى هذا أشار بقوله تعالى فقال: «و ان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه» الآية. و هذا
هو الغرض الأقصى في وضع الشريعة الإلهية.