القرآن، فإن تعلّقهم بظاهر أحكام شرائعهم، و
حرصهم و عنايتهم بقراءة كتب أنبيائهم، و إقرارهم بصواب ما فيها من الأحكام للدين و
الدنيا، حجّة للمذكّرين لهم بعد ما جهلوه من أمر عالمهم، و ما قد نسوه من أمر
معادهم و مبدئهم؛ و شاهد عليهم بما قد جحدوه من معاني هذه المسائل التي ذكرناها.
و إن كان هؤلاء القوم المنكرون لمعاني هذه المسائل من عبدة الأوثان و
الأصنام و النيران و الشمس و الكواكب و ما شاكلها، فإن في كتب نواميسهم و صور
هياكلهم و أحكام سننهم أمثلة أيضا لذلك و إشارات إليها مثل ما في الشرائع و
الأديان النبوية. لكن يحتاج أن يكون المذكّرون لهم عارفين بها.
و إن في الناس طائفة إذا سمعوا مثل هذه المسائل تطلّعت همم نفوسهم
إلى أجوبتها و رغبت في معرفة معانيها، فإذا سمعوا الجواب عنها قبلتها بلا حجّة و
لا برهان، و لكن على التقليد. أولئك قوم نفوسهم سليمة بعد لم تتعوّج بالآراء
الفاسدة و لم تستغرق بعد في نوم الجهالة، فيحتاج المذكّر إلى أن يسلك بهم طريقة
التعليم إلى التدريج، كما وصفنا في الرسالتين الأوليين اللتين وضعناهما للمتعلمين
و المريدين. فإذا تهذبت نفوسهم وصفت أذهانهم و قويت أفكارهم، أطلقت لهم أجوبة من
هذه المسائل ببراهينها، كما بيّنا في الرسائل الخمس التي صورناها على صورة
الإنسان، و أوضحنا دلائلها بالمثالات التي في صورة الإنسان.
و في الناس طائفة من أهل العلم قد نظروا في بعض العلوم و أقرّوا بعض
كتب الحكماء، أو سمعوا من المتكلمين في مناظرتهم، و من المتفلسفين و الشرعيين
جميعا، قد تكلموا في مثل هذه المسائل و أجابوا عنها بجوابات مختلفة، و لم يتفقوا
على شيء واحد و لا صحّ لهم فيها رأي واحد، بل وقعت بينهم في ذلك منازعات و
مناقضات! كل ذلك لأنهم لم يكن لهم أصل واحد صحيح و لا قياس واحد مستو يمكن أن يجاب
به عن هذه المسائل كلها من