ثم اعلم أن أشرف العلوم و أجلّ المعارف هي معرفة اللّه و صفاته
اللائقة به، و أن العلماء قد تكلموا في ماهيّة ذاته، و أكثروا القيل و القال في
حقيقته و صفاته، و تاه أكثرهم في العجاج عن المنهاج و الفلح، و العلّة في ذلك هو
من أجل أن هذا المطلب من أبعد المرامي إشارة، و هو أقرب المذاهب وجدانا كما قال
تعالى، و ضرب لهذه المعاني مثلا فقال: «كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ
يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً.» الآية.
ثم اعلم أنه لم يفت من فاته وجدانه من أجل خفاء ذاته و دقّة صفاته، و
كتمانها، و لكن من شدة ظهوره و جلالة نوره، و إنما ذهب على من ذهب معرفة ذاته و
حقيقة صفاته، من أجل أنهم طلبوه كطلبهم سائر الأشياء الجزئية المحسوسة، و بحثوا
عنه كبحثهم عن سائر الموجودات الكليّات المبدعات المخترعات المصنوعات الكائنات، من
الجواهر و الأعراض و الصّفات الموصوفات، المحتوية عليها الأماكن و الأزمان و
الأكوان و الأشخاص و الأنواع و الأجناس. و ذلك أن كل واحد من هذه الموجودات يطلب
فيه و يبحث عنه بتسعة مباحث و هي: هل هو؟ و ما هو؟ و كم هو؟ و كيف هو؟ و أيّ هو؟ و
أين هو؟ و متى هو؟ و لم هو؟ و من هو؟
ثم اعلم أن مبدع الهويّات، و ممهي الماهيّات، و موجد الكميّات، و
مكيّف الكيفيات، و مميّز الأينيّات، و مرتّب الأنينات، و علّة اللّميّات لا يقال
له: ما هو؟ و لا يسأل عنه كيف هو؟ و كم هو؟ و أيّ هو؟ و متى هو؟ و لم كان؟ و إنما
يجوز و يسوغ فيه و عنه، من هذه المباحث و السؤالات، اثنان حسب و هما: هل هو؟ و من
هو؟ كما يقال: هو الذي فعل كيت و كيت، و هو الذي وضع كيت و كيت. و من أجل هذا أجاب
موسى 7 فرعون، إذ سأله: «ما رب العالمين؟» فلم يجبه