فاعلم يا أخي أنّا قد بيّنّا في رسالة تركيب الجسد، و رسالة الإنسان
عالم صغير، و رسالة الحاسّ و المحسوس ما تستفيد النفس بكونها معه من الحكمة و
العلوم و الفوائد، و ما ترتاض من اتخاذ الصنائع و السياسات و التدبير و الربوبية و
التشبّه بالإله بحسب الطاقة الانسانية، إذا أخذت النفس طريق ذات اليمين، لأن هذا
الجسد لهذه النفس صراط ممدود بين الدنيا و الآخرة. فإذا عبرت النفس على هذا
الصّراط و سلمت من آفاته، سهل عليها سائر ما بعد ذلك.
فمن عيوب هذا الجسد كون النفس كمحبوس في كنيف، لأن الكنيف بالحقيقة
هو هذا الجسد، فهو ينبوع لكلّ قاذورات من وسخ و بول و غائط و مخاط و بصاق و دم و
صديد و لعاب و عرق نتن و بخر و صنان. و إن كل ما يكون في الكنيف من القاذورات فمنه
يخرج و فيه يتكون، فأوله نطفة قذرة، و آخره جيفة منتنة، و ما بين الحالتين مملوء
عذرة[1]، و النفس على دوام الأوقات في تنظيفه
و غسله و تنقيته و مداواته و ستر عوراته و حفظه من آفات الحر و البرد و الجوع و
العطش و الصدمة و الضربة و الآفات العارضة التي لا يحصى عددها.
و بالجملة، فليس في العالم نتن و لا نجاسة و لا قاذورة و لا جيفة
إلّا منه.
و من وجه آخر، فنقول مثل النفس مع الجسد كعابد صنم يعبده بالليل و
النهار، و ذلك أن النفس إذا تركت تعلّم العلم و عبادة اللّه، عز و جل، و النظر في
أمور معادها بعد فراق الجسد، و الاستعداد له و التزوّد للرّحلة من الدنيا إلى
الآخرة، و اشتغلت بما يكون فيه صلاح الجسد من الأكل و الشرب و اللباس و المسكن و
المركب و ما شاكلها من أنواع زينة الدنيا،