جملة العامّة، و لم يحصلوا في جملة الخاصّة،
فهم لا يعرفون اللّه حقّ معرفته، و لا يتحققونه بصفات وحدانيته، و لا يعرفون
الآخرة علما و استبصارا، و لا يرضون الدين تقليدا و إيمانا، فهم مذبذبون بين ذلك،
لا إلى هؤلاء، و لا إلى هؤلاء! فاحذر أنت يا أخي أن تكون من جملتهم، فإنهم جنود
إبليس و إخوان الشياطين «يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا» يعيبون الديانات، و
يزرون على أهلها، و يهلكون أنفسهم و لا يشعرون.
ثم اعلم أنهم أسوأ حالا من عابدي الأصنام على كل حال، لأن عابدي
الأصنام يدينون بشيء، و يتقرّبون إلى اللّه و يخافونه و يرجونه. فأمّا هؤلاء فلا
دين لهم، و لا يعتقدون شيئا، و لا يعبدون، و لا يخافون، و لا يرجون شيئا.
ثم اعلم أن علّة تركهم الدين أصلا من أجل أنهم لما تأمّلوا بعقولهم
اختلاف أهل الديانات، وجدوا دين كل قوم معيوبا عند قوم آخرين، و لم يجدوا مذهبا و
لا دينا بلا عيب، فتركوا الدين جملة من أجل هذا، و لم يتأمّلوا و لا فكّروا بأن
كون العاقل بلا دين أعيب و أقبح من كل عيب.
ثم اعلم أن في ذكر أهل الديانات عيوب بعضهم بعضا حكمة جليّة قد
بينّاها في رسالة العلل و المعلولات! و ليس ذلك بأن الدين معيوب، و لكن كانت
مفروضات واضعي الشريعة و سننهم مختلفة لأغراض شتّى.
و الأغراض يطول شرحها، و تكون تلك السّنن عند قوم محمودة صالحة، لسبب
نشوئهم عليها و ذربتهم في طول الزمان، و جريان عاداتهم عليها. و يكون الدين معيوبا
و منكرا عند قوم آخرين، لأنهم نشأوا على غيرها، و اعتادوا سواها، و ألفوا خلافها،
لا بأن الدين معيوب و سنن الديانات قبيحة.
ثم اعلم أنه لما كانت طباع الناس مختلفة، و أخلاقها متغايرة، و
إراداتها مفنّنة، و النفوس يعرض لها أمراض مختلفة بحسب الزمان و الأمكنة و الطباع