الباري، فإنه كان حكيما فيلسوفا، و قد قيل:
إن الحكمة هي التشبّه بالإله بحسب طاقة البشر، و معنى هذه الكلمة أن يكون الإنسان
حكيما في مصنوعاته، محقّقا في معلوماته، خيّرا في أفعاله. و من التي عددها ثمانية
و عشرون، هي منازل القمر في الفلك، فإن عددها ثمانية و عشرون، منها في البروج
الشمالية أربعة عشر، و في البروج الجنوبية أربعة عشر. فقد علم مما ذكرنا و صدّق
بما قلنا أن الموجودات التي عددها ثمانية و عشرون تنقسم قسمين أيّ موضع وجدت: كل
أربعة عشر منها لها حكم ليس للأربعة عشر الأخرى. فلهذه العلة أورد من جملة
الثمانية و العشرين حرفا حروف الجمّل أربعة عشر حرفا، و لم يورد الأربعة عشر
الأخرى، لأن لهذه حكما ليس لذلك، و هي السرّ المكتوم الذي لا يصلح أن يعلمه كلّ
أحد إلّا الخواصّ من عباد اللّه المخلصين.
و إذ قد ذكرنا طرفا من الإشارة إلى هذه الحروف، و دللنا على أنها سرّ
القرآن، و لا يجوز الإفصاح عنها، إذ لم يأذن لنا الحكماء و الأنبياء صلوات اللّه
عليهم. و فيما ذكرناه كفاية لمن كان له قلب زكي و نفس زكية و أخلاق طاهرة. فلنذكر
الآن طرفا من فضيلة ثمانية و عشرين على سائر الأعداد فنقول:
اعلم أنه ما من عدد من الخليقة إلّا و له فضيلة ليست لشيء آخر غيره،
و قد ذكرنا طرفا من فضيلة الأعداد في رسالة الأرثماطيقي؛ فمن فضيلة الثمانية و
العشرين أنه من الأعداد التامة، و الأعداد التامة هي أفضل من الأعداد الناقصة و
الزائدة، أو أنها قليلة الوجود؛ و ذلك أنه يوجد في كل مرتبة من مراتب الأعداد
واحدة لا غير، كالستة في الآحاد، و ثمانية و عشرين في العشرات، و أربعمائة و ستة و
تسعين في المئات، و ثمانية آلاف و مائة و عشرين في الألوف، فنقول:
إنه أيضا لما كان الاثنان أول عدد الزوج، و الثلاثة أول عدد الفرد،