ثم اعلم أن جهنم لها طبقات كثيرة، و هي الأهواء المختلفة، و الجهالات
المتراكمة التي النفوس فيها محبوسة، و معها موقوفة، و قلوب أهلها معذّبة منها
بألوان من الآلام، و هم في العذاب مشتركون، كلما مضت منهم أمة فانقرضت، خلقها قوم
آخرون من تلاميذهم و أتباعهم في تلك المذاهب و الآراء؛ و كلما دخلت من الآراء أمة
لعنت أختها المخالفة لها كما ذكر اللّه تعالى في عدة سور من القرآن. قوله في سورة
الاعراف: «كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها» أو في سورة أخرى: يلعن بعضهم بعضا؛ و يتعايرون، و يتنادرون، و
يتباغضون، و هم في العذاب مشتركون. فهذه حالهم في الدنيا و في الآخرة سواء و أشرّ
لو كانوا يعلمون. وقاك اللّه و إيانا شرّهم برحمته! و أما ما قيل من تتعاطى علم
النفس و الطبيعة ما تقول يا أخي[1] ان الصانع
الذي بنى هذه المدينة، أعني جسد الإنسان، أ هو الساكن فيها و المستعمل لها في هذه
الساعة أو غيره؟ فإن كان المستعمل لها في هذه الساعة هو الذي بناها، فلم لا يدري
كيف بناها، و لم لا يذكر كيف كانت. فإنّا نرى أصحاب التشريح لم تعرف كيفيّة بنية
هذا الجسد إلّا بعد هدمه و نقضه و خرابه. و إن كان هذا الذي بنى هذه البنية هو غير
المستعمل لها هذه الساعة، فترى بنّاؤها بناها بنفسه، أو بناها على يدي غيره، ثم
سلّمها إلى المستعمل لها دون ما فيها، أ ترى أن هذا المستعمل لهذه البنية هو تلميذ
ذلك الصانع الذي بنى هذه المدينة، أو ابن له كان في ذلك الوقت صبيّا جاهلا، و صار
الساعة بالغا عاقلا حكيما، و إنما كان بالقوّة فيخرج الآن إلى