و اعلم يا أخي أن الذي يحدث عن هذه الحركات، في هذه المدّة، في هذا
العالم، و عن أحوال هذه الكواكب، من الفنون المختلفة، و الحالات المتغايرة، أشياء
لا يحيط علما بكثرتها إلّا اللّه تعالى، و لكن نذكر منها طرفا ليكون دليلا على
الباقية، و نبدأ أولا بذكر الزمان و أحواله، و أرباعه و تغيّرات الهواء. و ذلك أنه
إذا ابتدأت الشمس بحركتها في أول برج الجدي صاعدة من الجنوب نحو الشّمال، و من
الحضيض نحو الأوج، مرتفعة في الفلك، أخذت الطبيعة عند ذلك بمعاونتها، بإذن الباري،
جلّ و عز، في جذب الرطوبات المختلفة بالتراب من الأمطار، و امتصاصها في عروق الشجر
و النبات إلى أصولها و قضبانها، و إمساكها هناك بالقوة الماسكة، و ذلك دأبها إلى
أن تبلغ الشمس آخر الحوت. فإذا نزلت أول دقيقة من برج الحمل، فهو الرّبع الربيعي،
استوى الليل و النهار في الأقاليم، و اعتدل الزمان، و طاب الهواء، وهب النسيم، و
ذابت الثلوج، و سالت الأودية، و مدّت الأنهار، و نبعت العيون، و ارتفعت الرطوبات
إلى أعلى فروع الأشجار، و نبت العشب، و طال الزرع، و نما الحشيش، و تلألأ الزهر، و
أورق الشجر، و تفتّح النّور، و اخضرّ وجه الأرض، و تكوّنت الحيوانات و الدبيب[1]، و نتجت البهائم، و درّت الضّروع، و
انتشرت الحيوانات في البلاد عن أوطانها، و طاب عيش أهل الوبر، و طلب أعلى السطوح
أهل المدن، و أخذت الأرض زخرفها، و فرح الناس و الحيوان أجمع بطيب نسيم الهواء، و
ازّيّنت الأرض، و صارت كأنها جارية شابّة قد تزيّنت و تحلّت للناظرين. فلا تزال
تلك حال الدنيا و أهلها من الحيوان و النبات، إلى أن تبلغ الشمس آخر الجوزاء: رأس