أن كل كائن في هذا العالم له أربع أحوال
متباينة، إحداها ابتداء كون الوجود، و منها زيادته و نموّه و ارتقاؤه إلى نهاية
ما. و منها توقّفه و انحطاطه و نقصه. و منها زمان بواره و عدمه. و علة ذلك أن كل
شخص في الفلك له حركة دائرة تخصّه، فإن لحركته في دائرته أربع أحوال: منها صعود من
الحضيض، و منها صعود إلى الأوج، و منها هبوطه من الأوج، و منها هبوطه إلى الحضيض.
يعرف حقيقة ما قلنا أصحاب المجسطي.
و من الحركات السريعة، القصيرة الزمان، القريبة الاستئناف، ما يدور
في كل أربعة أشهر مرة واحدة، و هي حركة عطارد في فلك تدويره، تارة مستقيما، و تارة
راجعا، و تارة مشرّقا، و تارة مغرّبا، و تارة منحرفا، و تارة صاعدا في ذروته، و
تارة هابطا إلى حضيضه، و تارة واقفا من موازاة درجة واحدة. و الذي يحدث و يتمّ من
هذه الحركة، في هذه المدة، في هذا العالم، كون بعض النبات كالسّمسم و الذّرة و
الشعير و أمثالها، كما بيّنّا في رسالة النبات. و عن هذه الحركة في هذه المدّة قد
يتمّ كون بعض الجواهر المعدنية كما يتمّ بالصّنعة. يعرف ما قلنا أصحاب المعادن، و
الذين يسبكون الزّجاج، و الذين يتعاطون صناعة الكيمياء، عن هذه الحركة في هذه
المدة، في هذا العالم، قد يتمّ خلقة بعض الحيوانات و تولّدها كبعض السباع و الوحوش
و الغزلان، و بعض الغنم، كما بيّنّا في رسالة الحيوانات.
و مما يكون عن هذه الحركة في هذه المدة، في هذا العالم، ما يعرض لبعض
الناس من الحوادث عند اختلاف أحوال عطارد في دورانه، مما يذكره أصحاب أحكام
النّجوم في مواليدهم. و بيان ذلك أنه إذا خلف عطارد، يعرض لبعض الناس أمراض و
أعلال و أوجاع، و خاصة للصبيان؛ و ما يعرض لبعض الكتّاب، و العمّال، و أصحاب
الدواوين، و الوزراء من العزل و الاعتقال و المصادرات، و لبعض الصّنّاع من العطلة
و الكسل، و لبعض التجّار من الخسران و المحق، و لبعض الناس من الحبس و الاستتار و
العسرة.